رئيس التحرير
عصام كامل

أنقذوا الصحافة الورقية قبل فوات الأوان!


الصحافة في كل الدنيا هي المعبرة عن أحوال الناس وآمالهم.. تترصد الفساد وتفجر القضايا بموضوعية وحياد.. تنقل الأخبار المحلية والدولية وتحلل وتستخلص دلالاتها ومؤشراتها لتضعها بين يدي قارئها وصانع القرار معًا.. وهي بهذا المعنى لسان حال المجتمع، المعبرة عن نبضه، المدافعة عن قضاياه ومصالحه واتجاهاته وطموحاته..


والسؤال: هل اضطلعت صحافتنا بهذا الدور أم تخلت عن رسالتها، فأغرقت في المحلية وأغفلت القضايا الكبرى والأحداث المهمة، وتجاوز بعضها حدود النقد البناء إلى السفاهة والجدل وافتعال معارك هي أقرب للسجال والسفسطة البيزنطية منها إلى النقاش الموضوعي بهدف تحقيق المصالح العليا للوطن؟

وفي الصحافة فنحن إزاء قريقين أحدهما الصحف القومية، وهي متهمة في نظر البعض بأنها منحازة دائمًا للحكومة لا تفتأ تدافع عنها بالحق والباطل ولا ترى في سوءاتها ما يشين.. أما الفريق الآخر من الصحافة فيمثله الصحف الخاصة والحزبية ويتهمها البعض دائمًا بتصيد أخطاء الحكومة وتهويلها وإنكار إنجازاتها دون أن تتعب نفسها بتقديم المشكلة وحلولها والبدائل الواقعية الممكنة لها وفق منهج علمي يقوده خبراء ومتخصصون، وهي صحف تصيب قارئها بالإحباط والسوداوية وفقدان الثقة في الحكومة..

وبين الفريقين يقف المتلقي حائرًا لا يعرف من يصدق.. والنتيجة عزوف القراء وتراجع المقروئية بين جماهير الصحافة ذاتها، فضلًا على تراجعها بين الجمهور العام جراء انتشار التكنولوجيا والإقبال الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي التي سحبت البساط من تحت أقدام الإعلام كله.. وتراجعت الصحافة الورقية إلى أدنى مستوياتها فلا هي حافظت على جمهورها القديم ولا هي نجحت في كسب جمهور جديد من فئة الشباب الذين غرقوا في عالم افتراضي لا حدود لإغواءاته.

كثيرة هي المتغيرات التي ضربت صناعة الصحافة العريقة وأنزلتها عن عرشها فلم تعد صاحبة الجلالة ذات بريق وتأثير أخاذ يعمل لها الكل ألف حساب، حيث تدهورت المهنية وتردت الأخلاق وتهاوت الأحوال المالية والإدارية للصحفيين تحت وطأة الغلاء الفاحش وسعار الدولار الذي ألهب ظهور المؤسسات الصحفية التي تستورد مستلزمات الطباعة من الخارج بأسعار فلكية فيخرج المطبوع خاسرًا مهما بلغت أرقام توزيعه التي لا تغطي تكلفة الإنتاج فما بالنا بتحقيق هامش ربح وهذا هو المتغير الأخطر الذي بات سيفًا مصلتًا على رقاب الصحف جميعا بلا استثناء..

ناهيك عن ضعف المحتوى وتهافته وخلوه من عوامل الجذب والتشويق وتدني أحوال الصحفيين المادية والمهنية في ظل غياب تواصل الأجيال وتداول الخبرات بينها وغياب النموذج القدوة أو النموذج المعلم الذي يقدر على صناعة النجوم واكتشاف العناصر الفذة ودفعها لمواقع الصدارة، فضلا على غياب الدور الفاعل للنقابة أو من يقوم على شئون الصحف من هيئات مستحدثة لا نجد التدريب والنهوض بالمهنة بندًا بارزًا على أجندتها أو ضمن أولوياتها القصوى..

أضف إلى ذلك دخول أعداد غفيرة إلى بلاط صاحبة الجلالة في غياب أي رقابة حقيقية تحت ستار أصحاب النفوذ أو مجاملة لسلسلة الأقارب وشبكة العلاقات التي لا تحتاج لجهد يذكر للتعرف على تشابكاتها وامتداداتها في كل مؤسسة بل في كل إصدار صحفي لاسيما داخل الصحف القومية التي لم تكن في حاجة أصلا لكل هذه الجحافل.

وجاءت الفضائيات ومواقع الإنترنت لتجهز على ما بقي من نفوذ للصحف الورقية في سوق الإعلانات، ولتلتهم الشطر الأعظم من كعكتها حتى استحوذت عليها وحرمت الصحف من أهم مقومات وجودها.. والسؤال: هل نحن قادرون على صنع عبور جديد بإعلامنا وصحافتنا على غرار العبور العظيم في أكتوبر المجيد.. وهل ثمة أمل في إمكانية تجاوز صحافتنا الورقية هذه المحنة القاسية قبل أن تنقرض أو تتعرض للزوال.

أنقذوا الصحافة الورقية قبل فوات الأوان.

الجريدة الرسمية