رئيس التحرير
عصام كامل

بطل غيَّر التاريخ.. وحربٌ غيَّرت العالم


في الذكرى الخامسة والأربعين لحرب أكتوبر العظيمة التي غيرت وجه التاريخ المصري الحديث، وعدلت من نظريات الحروب في العالم، وفرضت كلمة مصر قوية بما استتبع ذلك من سلام شامل قائم على العدل، أعاد لمصر كل شبر من أرض سيناء، أجدني أفكر في أنه من المعروف أن عمر الإنسان لا يُقاس بالزمن بقدر ما يُقاس بأثر ذلك الإنسان في زمنه، وعلى هذا فقد كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات من المؤثرين في الزمن الذي عاشه..


وظل تأثيره الإيجابي ممتدا إلى ما تنعم به مصر الآن من سلام وتجنب ويلات الحروب وخَرابها ودمارها؛ ولأن صاحب الفضل مُهَمل بين قومه، يعرف قدره غير قومه نجد مؤخرا إعلان الكونجرس الأمريكي تُمرير قانونًا خاصًا لتكريم الرئيس الراحل أنور السادات بميدالية الكونجرس الذهبية، التي تعد أعلى درجة تكريم يمكن للكونجرس منحها لأي شخص على الإطلاق.

وذلك لأن: "الرئيس السادات أظهر شجاعة ورؤية عندما دخل مفاوضات لتحقيق معاهدة سلام غيرت الكثير في الشرق الأوسط للأفضل" كما قال السيناتور الجمهوري أورين هاتش الذي قدم القانون.

والميدالية الذهبية التابعة للكونجرس هي أعلى درجة تكريم يمكن لمجلس الشيوخ الأمريكي تقديمها، ويشترط الحصول عليها أن يكون الشخص المرشح لها حقق إنجازا أثر على العالم وعلى التاريخ والثقافة الأمريكية نفسها، بحيث يتم منح الميدالية الذهبية بعد سنوات طويلة من الإنجاز نفسه كنوع من تأكيد مدى أهمية هذا الإنجاز ومدى استمرارية تأثيره في العالم.

ونحن هنا لا نُقيم لهذا الحدث التاريخي وزنًا أو نحتفل به، فهذه الميدالية ليست لشخص الرئيس السادات بقدر ما هي تكريم لمصر ينبغي أن نحتفي به، ونُظهره للعالم أجمع بما يؤكد أن مصر هي السلام ولا تسعى إلى الحرب إلا مضطرة.

ورغم أن الجائزة منحت عن سعي الرئيس الراحل نحو السلام، وتمكنه من تنفيذه وإحلاله على أرض الواقع فإن التاريخ لن ينسى أن هذا السلام ما كان له أن يكون أو يوجد إلا بعد فرض مصر كلمتها بالحرب القوية في السادس من أكتوبر على إسرائيل، والنصر العزيز المؤزر الذي حدث لجيش مصر بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات الذي قاد هذه الحرب بحنكة ومهارة مكنته من أن يقلب موازين القوى لصالح مصر..

فقد كانت حرب أكتوبر "حرب العاشر من رمضان" أو حرب تشرين التحريرية كما تعرف في سوريا، أو حرب يوم الغفران كما تعرف في إسرائيل، هي رابع الحروب العربية الإسرائيلية بعد حرب 1948، حرب 1956 وحرب 1967 التي كانت إسرائيل احتلت فيها شبه جزيرة سيناء من مصر، وهضبة الجولان من سوريا إلى جانب الضفة الغربية من الأردن، بالإضافة إلى قطاع غزة الخاضع آنذاك لحكم عسكري مصري.

ونجحت قواتنا العربية – الجيش المصري والسوري - خلال حرب أكتوبر من استرداد جزء كبير من أراضي سيناء، وكذا تمكن الجيش السوري من تحرير جزء من هضبة الجولان، ولذلك يُنظر لحرب أكتوبر دائمًا على أنها علامة فارقة في تاريخ الأمة العربية، وكانت لها تأثيرات عديدة بالإستراتيجيات العسكرية لدول الكتلتين الشرقية والغربية.

وتعد الأولى من نوعها في زمننا المعاصر، فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لم يشهد العالم أي حروب تقليدية أخرى، تتمثل في التحام قوتين نظاميتين على نطاق واسع، مع استخدام مختلف أشكال التسليح الثقيل والمركبات العسكرية المطورة، وعندما نتذكر تلك الحرب المجيدة وما أحاط بها نجد أن إسرائيل قد صنعت الكذبة وظلت ترددها حتى صدقتها، تلك الكذبة هي أنها تمتلك جيشا لا يُقهر، ثم جاءت حرب أكتوبر لتمثل صحوة للعرب وصفعة للصهاينة، حيث اكتشف المواطن الإسرائيلي مدى ضعف قواته المسلحة وهشاشة تحصيناته، وأن ما تم ترويجه بوسائل الإعلام عن قوته الخارقة وأنه لا يقهر، لم يكن سوى مجموعة من الأكاذيب.

كانت حرب أكتوبر سببًا في تغيير بعض القناعات والقواعد الإستراتيجية في زمنها، ومن أهم تلك القواعد هي أن الآلات الحربية تضمن التفوق العسكري، فقد كان الاعتماد الرئيسي للجانب الإسرائيلي على المدرعات الحربية، وكان الفكر الإستراتيجي لقادته يولي اهتمامًا كبيرًا بالدبابات والطائرة المقاتلة، حتى وإن كان ذلك على حساب أقسام الجيش الأخرى، لكن معارك حرب أكتوبر أثبتت أن الإنسان هو المتحكم في الآلة لا العكس، فرغم تفوق الجانب الإسرائيلي على الجان المصري من حيث العتاد الثقيلة، فإن الجيش المصري تمكن في النهاية من هزيمته هزيمة نكراء، وقد نتج ذلك عن الاهتمام بجميع أسلحة الجيش وتضافرهم معًا.

لسنوات عديدة اعتمدت الإدارة الإسرائيلية في سياستها على مبدأ "الأمر الواقع"، لكن بعد حرب أكتوبر وتحقيق الجيش المصري للنصر، وتمكنه من استرداد أراضي سيناء المحتلة، قُلِبت جميع الموازين وأثبت خطأ عِدة مفاهيم وقواعد، ومنها أن مبدأ فرض الأمر الواقع، والتوسع الجغرافي المتوحش بالجور على أراضي الدول، لا يحققان أمنًا حقيقيًا ولا يَضمنا تحقيق الاستقرار، ومن ثم انتبه العالم أجمع إلى أن التدخلات السياسية قد تحقق نتائج أفضل من التدخلات العسكرية..

ومن هنا كانت بداية البحث عن حل سياسي للصراع العربي الإسرائيلي، مما يعني أن رفع شعار نعم للمفاوضات لا للسلاح، هو أحد أهم النتائج التي جاءت مترتبة على قيام حرب أكتوبر المجيدة.

حرب أكتوبر لم يواجه فيها الجيش المصري عدوه الصهيوني فقط، بل واجه خلالها العديد من العقبات والعراقيل، وتمكن بفضل الله من تخطيهم جميعًا محققًا النصر العظيم، ومن ضمن هذه العقبات هو طبيعة البيئة التي دارت بها المعركة، حيث إن شبه جزيرة سيناء المحتلة آنذاك من جيش إسرائيل، تمتاز بطبيعتها الصحراوية المكشوفة، ووفقًا للدراسات العسكرية التي أجريت خلال حقبة الستينيات..

رأى الباحثون استحالة اعتماد أي جيش نظامي على عنصر المفاجأة في الحروب الصحراوية، رغم أن ذلك كان قد تحقق بالفعل في حروب سابقة، منها بعض معارك الحرب العالمية الثانية، لكن الخبراء العسكريين رأوا أن التطور التكنولوجي سيحول دون تكرار ذلك، فوسائل الاستطلاع الجوي والفضائي سترصد أي حركة تتم ضمن عراء الصحاري، ثم جاءت حرب أكتوبر لتثبت تدمير تلك القاعدة تدميرًا.

نزعت حرب أكتوبر القناع الزائف عن وجه إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الإدارة الأمريكية التي طالما تحدثت عن حقوق الشعوب في استرداد أراضيها، وادعت أنها تتخذ مواقف محايدة فيما يخص صراعات الشرق الأوسط، لم تتمكن من الاستمرار في تلك المسرحية الهزلية طويلًا، وفور قيام حرب أكتوبر وإظهار المؤشرات التفوق العسكري المصري، سارعت أمريكا بإقامة جسر جوي بينها وبين الجانب الإسرائيلي، وذلك لتعويضه عما خسره من معدات وطائرات ودبابات..

وتمت إقامة ذلك الجسر بشكل غير معلن بداية من خامس أيام حرب أكتوبر، ثم كان بشكل رسمي ومُعلن ابتداءً من تاريخ 13 أكتوبر 1973م، وسميت هذه العملية باسم عملية "نيكل جراس"، واستخدمت في شحن المعدات العسكرية طائرات سي 5 وسي 141.
الجريدة الرسمية