رئيس التحرير
عصام كامل

شهادتي التي أغضبت صديقتي


أن يلومك صديق على رأي تكتبه.. فهذا وارد، فاللوم يعقبه نقاش ثم اتفاق أو اختلاف دون المساس بجوهر العلاقة الإنسانية، لكن أن يغضب صديق بسبب رأي تكتبه فهذا خطر يهدد العلاقة، فبالغضب تتسع الفجوة، وبه توضع نهايات لأسمى العلاقات.


صديقتي التي أعتز بمهنيتها وأعول على دورها في صناعة مستقبل الإعلام (هذا إذا كان للإعلام مستقبل)، أغضبها ترحيبي بإيقاف بعض البرامج واستبعاد بعض المذيعين أو (أنصافهم)، وكذلك إعجابي بإيقاف بعض القنوات التي تشكل صداعًا في رأس المشهد الإعلامي المتصدعة أساساته..

وعلى الرغم من عدم تعميمي للترحيب أو الإعجاب بكل ما أوقف أو استبعد، وحزني على ما آلت إليه الأوضاع في الساحة الإعلامية من مطالبات زملاء سبقت رجاءات جماهير باستبعاد إعلاميين وغلق قنوات، وتألمي بسبب النفاق الفج الذي لا يروق للنظام نفسه، ويقيني أن هناك من لا يفهمون ويعبثون، ومن للهوى والمحسوبية يميلون..

على الرغم من كل ذلك أجدد ترحيبي باستبعاد إعلاميين من المشهد وإيقاف قنوات، أعلم أن وأد الميكروفون أو قصف القلم ضد ما فطمتنا عليه مهنتنا، لكن لا مانع من بتر الجزء الذي طاله السرطان من جسد ابنك إذا كان فيه شفاءه.

ولصديقتي وهي الأكثر اجتهادًا، ولكل من اختلفوا مع جنوحي المهني نطرح عدة تساؤلات ليست بعيدة عن سلسلة مقالات (المتلونون) التي وجدت لها مساحة في هذا المكان، فربما تأتي الإجابات لتنصف موقفي، أو تعصف به فأعتذر برحابة صدر لصديقتي.

هل من المنطقي أن نرى مذيعًا يفخر بسفره على طائرة الرئيس الأسبق مبارك، ويهلل في برنامجة كلما اتصل به، ويؤكد عشرات المرات أن مبارك خط أحمر، ثم يهاجمه ويسبه بعد تنحيه، ثم يتملق شباب ميدان التحرير ليفلت من تهمة (فلول) وبعدها ينحني أمام الإخوان ويهاجم الجميع من أجلهم، ثم يقفز من مركبهم بعد إزاحة الشعب لهم، ليَتملق النظام الحالي، هل استمرار هذا الشخص على الشاشة يضفي مصداقية على الإعلام أم ينال منه؟ وهل الترحيب باستبعاده ولو مؤقتًا يعد جريمة؟

وهل يخدم المشهد الإعلامي وجود مذيع كان كادرا في الحزب الوطني، وقَفز من المركب يوم تنحي مبارك، بعد هروبه مع بداية أحداث يناير إلى أحد المصايف، ثم نالت اتهاماته من رئيس ونظام كان صبيًا في بلاطه، ثم هاجم الجيش والشرطة وعمل مستشارًا للرئيس الأسبق محمد مرسي، واستغل منصبه في تهديد العاملين بإدارة القناة التي كان يعمل بها، ثم قفز من مركب الإخوان، ليستمر على الشاشة بصلاحيات أكبر، ألا يفقد استمرار هذا الشخص الإعلام والإعلاميين مصداقيتها؟

وهل يليق بإعلام مصر أن تستمر مذيعة كانت تصنع كواليس نظام مبارك، ثم تبرأت منه، وكالت الاتهامات للشرطة في أحداث يناير، ثم قفزت في قالب النظام الحالي، لتَعمل لمصلحتها فقط؟

وهل يليق أن تستمر أخرى أسهمت في نشر الفوضى عندما فتحت المجال في برنامجها لكل من تدرب في الخارج على قلب نظام الحكم، ولها من اللقاءات مع الأجانب أثناء يناير ما يعلمه الخاصة والعامة؟

هل يليق بإعلام مصر أن يكون مرتعًا لمن يمتلك ثمن ساعة هواء يظهر فيها ضَحالته وجهله ويصفي من خلالها حساباته؟ هل من المنطقي أن تفتح الشاشات لأنصاف المتعلمين ليتحدثوا في السياسة ويُشكلوا عقل ووجدان الجماهير؟ وهل يخدم الإعلام من تسللن إلى الشاشة معتمدات على معايير لا يعمل بها سوى ضعاف النفوس؟

هل يليق بإعلام مصر أن تتحول قنواته إلى (فرش في سوق) يشتري منه كل طامع في شهرة ما يحتاجه من وقت لابتزاز الآخرين؟ هل يليق بإعلام مصر أن يَتصدره مجموعة من المتلونين الجدد، ابتزوا القائمين على الإعلام في وقت وهن الدولة وهوانها على أمثالهم؟ هل يليق بإعلام مصر أن يكون من بين المتحكمين فيه من لا علاقة لهم به؟

صديقتي.. أتفهم همومك وأشعر بوجعك، فتفهمي حرصي على إعلام يليق بمصر وأجيبي على تساؤلاتي، فربما يتحول غضبك إلى لوم، ثم إلى نقاش، ثم اتفاق أو اختلاف، وكلاهما لا يمس بجوهر العلاقة بيننا.
basher_hassan@hotmail.com
الجريدة الرسمية