رئيس التحرير
عصام كامل

جريمة تجريم الرموز!!


منذ انقطاع الوحي عن سيد الخلق ليس هناك إجماع على كل ما هو بشري، لأن لا أحد معصوم من الخطأ، وما تراه صواب يعتبره البعض كارثة، ويكفي أن المصريين لا يزالون منقسمين حول "عبد الناصر"، منهم من يراه زعيما وطنيا حقق طفرات ثورية، وهناك من يعتبره المؤسس للاستبداد والديكتاتورية صاحب نكسة ٦٧ التي دمرت العالم العربي..


والأمر نفسه يقال مثلا حول "صدام حسين" هناك من يعتبره أسوأ ما أنجب العراق وينسبون له تدمير العالم العربي بينما هناك من يعتبره بطلا حقق طفرات عالمية للعراق، لكن أمريكا وإيران تأمرا عليه، ويمكن القياس به على معظم الزعامات العربية ويكفي ما قيل عن الملك "حسين" حيّا وميتا..

ومن يقرأ مذكرات الضباط الأحرار يكتشف أنهم لم يكونوا مؤهلين للحكم، بل إن "أبو زيد الهلالي" لم يكن أكثر من قاطع طريق، و"سعد زغلول" كان مُقامرا، وكل الكتب السماوية ذكرت قصص الأولين كقوم لوط وقارون وجالوت وبالطبع كان هؤلاء رموزا في أقوامهم.

ومن النادر أن تعثر على شخصية تاريخية سواء دينية أو سياسية أو فكرية دون أن يُصيبها النقد والتجريح، وربما لم يتوقع أحد تلك السخرية والنقد لرئيس أمريكي كما حدث لـ"ترامب"، فلم تترك الصحافة والتليفزيون نقيصة لم تلصقها به.

وكان "جون لينون" نجم فريق البيتلز يضرب زوجته وطفلة، وكان "بيكاسو" زير نساء الأمر الذي دفع زوجته لدخول مصحة نفسية، وعلى عكس ما كان معروفا عن الرئيس الأمريكي الأسبق "جروفر جريفلاتد" تغيرت تلك الصورة بعد اكتشاف اعتدائه الجنسي على فتاة وإنجاب طفل غير شرعي، وبسبب عناد "تشرشل" مات ثلاث ملايين هندي بعدما عارض إرسال القمح إبان مجاعة البنجاب..

ورغم حساسية الكاتب "أرثر ميلر" فقد تخلى عن ابنه الذي ولد وهو يعاني متلازمة داون بعد ولادته مباشرة ولم يزوره قط، ويقال إن كل اختراعات "إديسون" كانت من نتاج فريق البحث الذي كان يعمل معه، وقام الكاتب "تشارلز ديكنز" بترك زوجته وأطفاله العشرة ليتزوج من فتاة صغيرة لا تتجاوز الثامنة عشرة.

ويقال إن "توت عنه آمون" كان ابنًا لأخوين، ولذلك فقد عانى تشوهات كثيرة كما ذكرت الأبحاث التي أجريت على جثته، وهناك آلاف الحكايات عن الجانب المظلم في حياة المشاهير وعلي قدر عظمتهم على قدر كوارثهم.

من المعلوم بالضرورة أن من يتصدى للعمل العام يتصدق بجزء من عمره وسمعته وكرامته، ذلك أنه رضي منذ البداية بوضع نفسه في موضع المساءلة والمتابعة والرصد وهو يعلم منذ البداية أن كل تصرف محسوب عليه، وأن ما هو مقبول من عوام الناس غير مقبول منه، وتلك البديهيات أصبحت مستقرة في العرف السياسي، ولهذا فإن أي تحصين لهم ما هو إلا خروج على العقد الاجتماعي بين السلطة والنَّاس..

وأي تزيد في تلك القضية هو ردة للتطور السياسي، وهو معيب، ويعيد الأمة المصرية لعصور محاكم التفتيش والبحث في النوايا، وتعدِ صريح على الدستور الذي حرص على حرية النقد والتعبير خاصة أن عبارات الرموز التاريخية مطاطة وغير محددة، مما يفتح الأبواب لتفسيرها وفق الأهواء..

ومثل تلك القوانين تفرض الوصاية على المجتمع، وتفرض قداسة على أعمال بشرية، ويكفي مثلا أنه تمت محاكمة قادة النكسة دون أن يسأل أحد عبد الناصر حتى ولو من باب معرفة ما حدث، ويكفي أيضا أنه تحت تلك القداسة لا نعرف حتى الآن من حرق القاهرة، ولا الساعات الأخيرة قبل وخلال أحداث يناير٢٠١١، ولا كواليس كامب ديفيد، ولا محاضر مفاوضات تيران وصنافير، وكل الأحداث الكبرى في تاريخ هذا البلد لا يوجد لها توثيق..

وتقريبا معظم محادثات الرؤساء العرب لا توثيق لها، وبالتالي فإن كل ما يقال عنها يحتمل الصواب والخطأ، ولهذا فإن مشروع القانون المقدم لتجريم إهانة الرموز هو جريمة في حق الأمة، وإهانة لها، عندما يعاقب بالحبس خمس سنوات لمن يسيء للرموز التاريخية، علما بأن القانون الفرنسي ألغي مثل تلك النصوص من ٨٠ سنة..

وربما لا يعرف مقدمو مشروع القانون أن هناك ما يقرب من ٣٢ في قانون العقوبات تدور في فلك السب والقذف والإهانة، ومجرد تقديم هذا المشروع يعيد مصر لما قبل ١٩٥٢، لما كان يسمى التطاول على مسند الملكية، ثم العيب في الذات الملكية الذي تطور إلى مواد إهانة الرئيس، أي إن هناك ترسانة من القوانين لحماية أعراض وسمعة الأشخاص العاديين، لكن قانون تجريم الرموز هو عودة لدعاوي الحسبة وتقنين لستر الفاسدين أحياء وأمواتا.
الجريدة الرسمية