رئيس التحرير
عصام كامل

الدراما تعلمنا القتل والفساد!


في نهاية السبعينيات فوجئنا بخبر "مصرع طفل نتيجة القفز من شرفة المنزل" وبعد البحث اكتشف أنه كان يقلد الممثل العالمي "بروس لي"، وكان هذا إنذارا مبكرا للمجتمع، في وقت بدأت زيادة الجرعات الفنية من خلال التليفزيون والسينما، وأذكر هنا مقولة مهمة للفنان محمد صبحي مع انتشار تقديم أفلام المخدرات وانتقد بشدة تقديم صورة المدمن وهو يتعاطى قائلا: إن هذه الصورة يمكن تقليدها أو تساعد على انتشار المخدرات!


أيضا تقدم الدراما الفاسد أو تاجر المخدرات أو زير النساء طوال العمل الفني سواء فيلما أو مسلسلا في صورة من يعيش حياة سعيدة مرفهة، يملك المال والنساء والسلطان طوال العمل، وفي ثوانِ يمكن القبض عليه أو قتله، لكن الصورة الذهنية التي تستمر وتتعمق في ذاكرة المشاهد صورة الرفاهية والسلطان التي كان عليها النموذج الكريه خاصة لو أن المتلقى ليس بدرجة وعي على مستوى يدرك به حقيقة إبعاد الجرائم التي تعرض في العمل الفني..

كتبت الصديقة الأديبة الناقدة منى ماهر: أحدث جريمة قتل الأب قتل خطيب ابنته وتم دفنه في فيلته في الرحاب لأنه كان يخشى خطيب ابنته، لأنه اكتشف أن حماه (أبو البنت) نصاب! أكيد هناك حقائق أخرى في الموضوع لا نعرفها، لكن هل القتل أصبح سهلا أم الناس أصبحت تأخذ حقها بنفسها!

وما يحدث إلى تراخي إجراءات القضاء والدراما التي تقدم للمجتمع جعل الترحيب بقانون الغابة!

وفي نفس المكان كتبت على الكثير من الدراما التي ترسخ الفساد، والقيم التي تتعارض مع قيمنا والدين، ومثلما كتبت من قبل وجود كل عناصر الفساد ترتدي ثوب الرقة والجمال والمال والجاه ويغيب تماما أي عنصر للقيم التي نأمل زراعتها في المجتمع، على سبيل المثال في مسلسل "لأعلى سعر" جميع عناصر المسلسل منحرفين، الزوج يخون زوجته على سريرها، وشقيق الزوجة يعيش مع امرأة دون زواج، وزوجة شقيق الزوجة تخون زوجها مع شريك الزوج..

حتى الأم المطلقة تعرف أن زوجة ابنها تخونه وتصمت، وتعرف أن ابنها يعيش مع امرأة دون زواج، والأغرب توافق على زواج ابنها الآخر الذي تخونه زوجته من عاهرة تعرف عليها في الكباريه! وعلى مدى ثلاثين يوما يتم تمرير سموم للمجتمع ويتعاطف المشاهد مع هذا أو ذاك وهو لا يدرك أنه متعاطف مع فاسد أخلاقيا وكل ما يحمله فساد يدمر المجتمع.

في مسلسل "الميزان" الزوج الضابط يسرق دليل براءة متهم من زوجته المحامية وتكتفي بالطلاق ويعدم البريء، والمحامية نفسها تدافع عن متهم خان صاحب العمل وهَتك عرض ابنته التي كانت حاملا قبل أن تقتل على يد أيضا الضابط الذي يعمل مع رجال أعمال، الطريف أن جميع الفاسدين لم يجر لهم شيئا، مما يعطي إشارة لغياب الدولة!

في رمضان الماضي في مسلسل "طايع" عدد من قتل صعب حصرهم وغيرهم، الغريب غياب القيمة الإنسانية التي تواجه الشر، غير موجودة، هذا نذكره على سبيل المثال فقط، هناك ربما الأكثر سوءًا..

في المقابل لن أذكر أعمال العمالقة أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ ومحمد فاضل ومحفوظ عبد الرحمن، ومحمد جلال عبد القوي، مجدي أبو عميرة، والرائد يحيى العلمي وغيرهم، لكن سأذكر عملا من تأليف إحسان عبد القدوس.. قدم مسلسلا للكاتب مصطفى محرم والمخرج أحمد توفيق "لن أعيش في جلباب أبي" يهمني هنا دور القدير عبد الرحمن أبو زهرة -الحاج سردينة- هو نموذج يجب أن يكون في كل عمل لمواجهة كل هذا التدني الذي يقدم لا بد من عنصر يرفع راية الخير والقيم النبيلة..

في الماضي تعلمنا أنه كلما كان الشر قويا يرفع مستوى العمل ويقوي من دور الخير، لكن الآن أصبح العمل مزدحمًا بكل أنواع الشرور والإفساد ولا مكان للخير والقيم النبيلة، فإذا كان الإعلام مغيبًا، والبيت مغيبًا، المدرسة في ذمة الله، ماذا بقي حتى لا تحدث الجرائم التي نراها في السنوات العشر الأخيرة، نذكر رجل الأعمال الذي قتل زوجته وأبنائه منذ عشر سنوات بعد خسارته في البورصة..

وتكرر في الشهور الأخيرة السيناريو نفسه، بإضافة أن الحادث القديم مات الأب كمدا في السجن، والجديد انتحر بعد قتله أسرته كاملة، الملاحظة التي أتمنى علماء النفس يضعوها تحت الدراسة أن معظم الجرائم الكبيرة الأخيرة أصحابها رجال مال وأعمال، آخرها الذي قتل ابنيه!

في خضم الأحداث السياسية والضجيج الذي يحدث على أشياء غالبا لا قيمة لها علينا أن ننتبه إلى ما يهدد المجتمع ويجعله سهل الانحراف للهاوية... الإعلام والدراما والأسرة والمدرسة.. نوبة صحيان أو كارثة!!؟
اللهم احمِ مصر من أبنائها قبل أعدائها.. وتحيا مصر!
الجريدة الرسمية