رئيس التحرير
عصام كامل

مدنية الدولة لا تعني هدم ومسخ الأديان!


للمرة المائة نتساءل، هل المدنية تعني احتقار أو محق كل شيء من الأديان!؟ منذ أيام أعلن الرئيس التونسي أنه سيتم المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث... إلخ، طبيعي هذا الأمر أثار الكثير من ردود الفعل المتباينة، لكن البعض من كتابنا أشادوا بالقرار وأنه حجر الأساس الذي يُبنى عليه مدنية الدولة التونسية وطالبوا أن يتم اتخاذ هذا الفكر لنتعلم منه في مصر!


الحقيقة أن معظم هؤلاء لا يعرفون تاريخ تونس أو أنهم يتجاهلونه، ما حدث من الرئيس التونسي ليس جديدا مطلقا، بل حدث منذ أكثر من نصف قرن أن ظهر الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة على شاشة التليفزيون التونسي ظهرا في شهر رمضان وشرب الماء مطالبا الشعب التونسي بعدم الصوم، لأنه يؤثر على العمل، وأيضا طالب الرئيس بورقيبة بعدم الذهاب للحج والتبرك بالأولياء في تونس توفيرا للجهد والمال، وغير هذا كثير من أمور الزواج ومنع التعدد ووضع شروط الطلاق.. إلخ

ألم يسأل أحد مدنية الحبيب بورقيبة ماذا قدمت لتونس!؟ هل تقدمت وأصبحت في عهده دولة صناعية ومتقدمة وسط الدول المتقدمة العالمية!؟ هل ارتفعت معدلات النمو وأصبحت العملة التونسية لها من القيمة في مواجهة العملة العالمية!؟ لقد أفلست تونس في عهد بورقيبة والطريف أن زين العابدين بن علي كان وزيرا للداخلية عندما طلبه بورقيبة للذهاب معه إلى الإذاعة التونسية لإعلان إفلاس الدولة، فما كان من زين العابدين إلى أن اتجه إلى بيت الحبيب بورقيبة وطلب منه عدم مغادرته وذهب هو إلى الإذاعة معلنا توليه الرئاسة!

وقد كتبت على صفحتي أن ما يحدث اليوم له جذور من أيام الحبيب بورقيبة، وأن محاولة منع الصيام والحث على عدم الحج للبيت الحرام منذ سنوات طويلة، لم يخف الحبيب بورقيبة محاولاته لهذا، علق الشاعر الكبير جمال بخيت قائلا: تونس لا تمنع صوم رمضان.. إنها تحاول عدم معاقبة المفطر.. وهذا في رأي أقرب إلى روح الدين.. القرآن لم ينص على معاقبة المفطر دنيويا بل القرآن يقول نصا من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. ويقول لا إكراه في الدين!

ولكن جاء الرد على رأي شاعرنا الكبير الصديق المشترك خالد سليمان خالد قائلا: عزيزي جمال لعلك تعلم أنني أعيش هناك حاليا ومنذ عقد كامل، وللأمانة هناك رأيان في تونس.. الأول مستنير بقصد روح الدين كما ذكرت سلفا.. والثاني أقلية لكن صوتها عالي جدا لديهم عقد من الإسلام، ويُثير نعرات العرب والأمازيغ ويسعى للاستفزاز والصدام، وهو ما يخلق تطرفا عنيفا منتجا الدواعش، على الطرف الثاني ونهايته كارثية.. أما كل ما يثار حاليا فهو لأغراض انتخابية من فصيل سياسي فقد رصيده لكسب أصوات النساء.. لا حداثة ولا دياولو ولم يجرؤ عليه بورقيبة قبله بثقافته ومكانته وذكائه ولا زين العابدين بن علي بقوته الغاشمة!

وعلق الصديق الصحفي خالد عبد الراضي قائلا: سيدي لا خلاف على محاولة علمانية الدولة التونسية منذ أيام الحبيب بورقيبة والسيدة التونسية الأولى "وسيلة" هذا تاريخ شهير ويدعو للأسف! وأيده الدكتور عبد الناصر السعدني!

السؤال، هل عندما اتجه الغرب إلى خلق مجتمع مدني هدم الدين!؟ إنه فصل بين الدين والسياسة وترك الحرية كاملة للجميع للاختيار، وهذا يعني أن المجتمع لا بد يتم رفع المستوى الثقافي والوعي لديه دون التسفيه بمعتقداته الدينية، عندما أتعرض للمواريث يجب على النظر إلى جميع آيات المواريث والأحكام القرآنية وأيضا فيها جوانب للاجتهاد، هل مدنية الدولة تعني إلغاء الحج وإلغاء الصوم!؟

أخشى أن يأتي وقت يطالب البعض بإلغاء الزواج وتترك الحرية لمن يتزوج أو يعيش مع امرأة دون زواج!

لقد قررت أوروبا الفصل بين الكنيسة والسياسة من واقع تجربتها والمرار والتخلف الذي أصابها، وعلينا أيضا أن تكون تجربتنا هي الأساس في مدنية المجتمع الذي نأمل أن يكون عليه عالمنا العربي، مدنية تحترم الأديان ولا تعني هدمها أو مسخها!
الجريدة الرسمية