رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الزاهدون في الوهم!


هناك علاقة حميمة، تجمع بشكل لا يمكن تصوره بين الرجعية والأصولية، والانغماس في الوهم بكل أشكاله، واعتقد لو أن هناك من يقرأ الواقع جيدًا، لأمر بتدريس مواد تعليمية، بداية من النشء وحتى طلاب آخر المراحل التعليمية، في كيفية الانتصار على الأوهام، التي تحيط بنا من كل جانب، وتقنعنا أنها وحدها التي ستحل لنا مشكلات نغرق فيها، وتجعلنا نؤمن أننا قادرين على فعل كل شيء من لا شيء!


قبل أيام وقع عيني ــــ دون رغبة مني ــــ على فيديو لأحد مشايخ الأزهر الثقات، استفزني عنوانه فاطلعت على محتواه، وكان يفتى في التبرع بقرنية العين، ويرد بحسم على أحد أسئلة الجماهير التي لاتزال ترتعش للأسف أمام الرأي الديني، في قضايا المفترض أن يفصل فيها الطب والعلم وحده دون غيره.

راح الشيخ يرفض بشكل مطلق أي نقل للأعضاء سواء من الأحياء للأحياء، أو من الموتى للأحياء، مستندا بذلك على أطروحات دينية، بالتأكيد تفسيرها على هذا النحو يعود لمرجعيته الفكرية والثقافية والإنسانية، بما أن هناك تفسيرات وفتاوى أخرى، أجازت نقل الأعضاء، ولا يجوز بالأساس لهذا أو ذاك التدخل في مثل هذه الأمور.

لم أفهم الحقيقة ما الذي يحمله هذا الرجل بين جنبيه، ويجعله يتحدث بهذه الملامح القاسية التي بدا عليها، وهو يلوك في مصير إنسان، قد يعيش معذبًا طيلة حياته، ليستمر الشيخ في الأضواء، ويحل ضيفًا بفتاويه على البرامج الحوارية الساخنة، وتتقاذف آراءه الصحف والمواقع الإخبارية، ومواقع التواصل الاجتماعي.

في كثير من اللقاءات الصحفية، أو حتى الاجتماعية، التي كانت تجمعني برجال دين، سواء كانوا مشايخ من الأزهر، أو من التيارات الدينية، كنت أرى ريبة غير مفهومة منهم تجاه الحداثة إذا ما حل ذكرها، وعداء مطلق لكل ما هو غير إسلامي، ونظرة تشاؤمية وتآمرية تجاه الغرب، وجهل مطبق في معرفة مفردات الإنسان الحديث، وسياقات الحضارة الإنسانية التي نعيش في تخلف مفتعل عنها بقرون زمنية، بسبب خضوع المجتمع لهذا النوع من الكهنوت الديني.

قبل أشهر، لفت نظري عبارة في كتاب لـ"جون ديوي"، الفيلسوف الكبير وعالم النفسي الأمريكي، وكان يفسر فيه الطبيعة البشرية والسلوك الإنساني، وما زالت تتردد على أسماعي كلما ضبطت نفسي متلبسا بقراءة مثل هذه الفتاوى التي تجرح حياء الإنسانية، وكان يقول فيها: إن الأمم لا تهرم ــــ أي تصل لمرحلة الشيخوخة ــــ إلا بسبب تصلب العادات والتقاليد، وبالتبعية المفاهيم والفتاوى الدينية، التي تعادي الحداثة والمنطق، وتناقض أدنى مفاهيم الإنسانية التي يتفق عليها دول العالم المتقدم.

أعتقد أن مسئولية أي سياسي في مصر، بدلا من الصراع الفارغ على الأغلبية، والتفرغ للا شيء، المساهمة بقوة في تفكيك سيطرة هذه الآراء المتسلطة والواهمة على الحياة العامة، فمصر الجديدة التي نحلم بها جميعا، لن تقوم لها قائمة، إلا بالزهد في الوهم، والانصراف عن الصور الكاذبة التي لا ولن تصور لنا أي شيء !
Advertisements
الجريدة الرسمية