رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حرامي متدين!


حكى لى شيخنا الجليل المرحوم محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق أن أحد معارفه أراد أن يضيف دورين لعمارة بمتلكها، فذهب إلى إدارة الحى التابع له، فقال له الموظف المسئول: إن ذلك سوف يكلفه بالإضافة إلى الرسوم المقررة نحو ٥٠ ألف جنيه رشوة للحصول على الترخيص اللازم لكل دور، فرفض الرجل وانصرف دون أن يحصل على الترخيص المطلوب.


وعندما حل شهر رمضان تصور الرجل أنه إذا حاول مجددا سوف يستحيى الموظف المسئول أن يطلب رشوة في شهر الصيام.. ولكنه عندما ذهب إلى إدارة الحى فوجئ بأن الموظف المسئول تصور أنه راجع نفسه وقبل دفع الرشوة المطلوبة، وقال له: (ابن حلال.. لقد حضرت في الوقت المناسب فإن المدير ذاهب إلى العمرة ويحتاج إلى فلوس)!

هذه الحكاية أتذكرها دوما كلما سمعت أو قرأت عن قضية رشوة جديدة، لا تقتصر على الرشوة المالية فقط، وإنما تتضمن رشاوى عينية من بينها رحلة حج أو عمرة!

هكذا الدين لدى بعضنا هو عبادات فقط، وليس كما علمنا أجدادنا وآباؤنا، الدين المعاملة، وقد حدث ذلك في ذات الوقت الذي راج فيه وانتشر التطرّف الدينى وجماعاته، الذين استحلوا لأنفسهم ممتلكات الغير، واعتبروا سرقة غير أعضاء الجماعات والتنظيمات التي ينتمون إليها حلالا..

وأيضًا أحلوا الكذب باعتباره نوعا من التقية أو لخداع الأعداء، وهم بالمناسبة كل من لا ينضم إلى تنظيماتهم أو لا ينصاع إليهم.. بل إنهم استحلوا نساء وزوجات الغير أيضا، باعتبارهن سبايا، لأنهم اعتبروا أنفسهم في حالة حرب مستمرة ضدنا نحن الذين نعيش من وجهة نظرهم في ضلال مبين وكفر شديد، وإذا كان هؤلاء المتطرفين والتكفيريين قد منحوا أنفسهم حق زهق الأرواح وقتل البشر، فليس غريبا أن يستحلوا السرقة والنهب والاتجار في المخدرات وارتكاب كل أنواع الفحشاء..

وكل ذلك تحت راية الدين وباسمه.

لذلك ليس غريبا ولا مفاجئا أن يكون لدينا في مجتمعنا ذلك الحرامي المتدين، الذي يدعو الله أن يوفقه في السرقة، أو المرتشي المتدين الذي يرتشى لينفق على رحلة عمرة أو حج!.. وكل ذلك بلينا به عندما شاع التطرّف الدينى بيننا، ونسينا أن جوهر الدين، أي دين، هو تلك القيم الأخلاقية الطيبة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان، وأن يترجمها في سلوكه ومعاملاته مع الآخرين.
Advertisements
الجريدة الرسمية