رئيس التحرير
عصام كامل

نجاح «توفيق» وفشل «عبد الغفار»


آثرت عدم الخوض في هذا الملف حتى يدرس وزير الداخلية الجديد اللواء محمود توفيق قضايا الأمن المصري المطروحة على أجندة الأولويات الوطنية الآن، بعد أن أُهمل العديد منها في عهد الوزير السابق مجدي عبد الغفار، وجاء توقيت الكتابة مناسبًا، بعد حركة الشرطة الأخيرة التي كشفت عن رؤية أكثر عمقًا، لوزير جاء من دائرة الإيمان بالمعلومات قبل حمل السلاح، وهو ما كان يتجاهله الوزير السابق.


من المتعارف عليه أن القضايا الأمنية في الريف المصري كانت دومًا تتسم بمساحة أكبر من النجاح، ربما لطبيعة الريف والقبلية، ورفض هذا المجتمع لكثير من الجرائم، وعلى رأسها قضية انتشار المخدرات، التي كانت تتسع في الحضر والمدينة كواحد من تداعيات سلوك الزحام، فالبلد الذي لا يعرفك أحد فيه يمكنك أن تتعرى دون عار يطول عائلتك، أما في الريف فإن الأمر مختلف، إذ إن قضية المخدرات أكثر رفضًا لما يطول صاحبها من مقاومة اجتماعية وعار يهدد تُجاره.

في عهد مجدي عبد الغفار اختلف الأمر، بعد أن شهد الريف المصري طفرةً هائلةً في هذا الملف، أصبح الريف يسبح في محيط هادر من كل أنواع المخدرات، وشهد المجتمع أنواعًا جديدة من الصنف، كان حتى وقت قريب من المستحيل انتشارها، وعلى رأسها الكبتاجون والإستروكس، وغيرهما من الأصناف التي أصبحت تباع على قارعة الطريق دون خوف، أو رهبة، أو إحساس بالخطر.

ملف انتشار المخدرات واحدٌ من انتكاسات عصر عبد الغفار، بعد أن أصبح خطرًا داهمًا يطول أعدادًا هائلة من الأسر المصرية، في مصر الآن نشاط محموم لتجار الصنف، ينتشرون على النواصي، وفي الشوارع والميادين، في القرى والنجوع، في الحارات والأزقة، وقد صاحب ذلك أنواع مختلفة من الجريمة المرتبطة بغياب العقل، فانتشر العنف الأسري، وجرائم النفس، والبلطجة وغيرها من أنواع الجرائم المخيفة.

الوزير محمود توفيق أمام مهام وطنية مُلحة، تحتاج إلى العون الاجتماعي، ومناصرة رجل الأمن في تحمله لتلك المسئوليات، سواء بالدعم المعنوي أو المادي أو المعلوماتي، ولن تستطيع الوزارة وحدها الوقوف في مواجهة هذا الغول، دون دعم مؤسسات المجتمع المدني، والجماهير العريضة التي تكتوي بنار المخدرات، وما تمثله من خسائر ليست على النطاق المادي فقط، فالمخدرات من أكثر معوقات التنمية، إذ إن انتشارها يعني فقدان القدرة على حماية شباب الأمة من خطر السقوط في مُستنقعها الرهيب.

التغييرات التي أقدم عليها الوزير محمود توفيق، تؤكد أن الرجل ومساعديه على دراية كاملة بما يجب أن يفعلوه تجاه أمتهم، المهمة جسيمة، خاصة أن الوزير السابق لم يكن من رجال الأمن، الذين يحملون رؤية، ولم يكن حسب المقربين إليه من ذلك النوع الذي يدرك حجم الأعباء الأمنية، فشهد عهده كثيرًا من الفشل والإهمال اللذين أديا إلى ما نحن فيه الآن، وهو ما يفرض علينا الاضطلاع بدورنا لدعم الجهاز الأمني.

ثاني هذه القضايا «ملف الفوضى» الذي استفحل في عهد مجدي عبد الغفار، فـ«التوكتوك» الذي كان حبيس القرى والشوارع الجانبية وصل إلى شارع جامعة الدول العربية، وأصبح علامة مميزة لشارع كورنيش النيل، ولم يحل بينه وبين جاردن سيتي حائل، حيث فرض الفوضويون أنفسهم على الشارع المصري، ولم يعد البلطجي هو ذلك الخارج على القانون ليلا، بل أصبح إحدى مفردات الحياة المصرية العلنية.

بلطجية مصر احتلوا الشوارع، ومارسوا حريتهم كاملة وفي وضح النهار، خرجوا من مخابئهم، بل وخرج بعضهم من السجون بقرارات عفو، في رسالة غامضة حملت من المعاني السلبية ما يجعل المواطن غير واثق من إدارته، غير مهتم بما يتحمله جهازه الأمني من مهام وطنية في وقت عصيب، يحتاج منا جميعًا الالتفاف حول أجهزتنا الوطنية لتتعافى، وتقوم بدورها على أكمل وجه.

دعوة خالصة لوجه الله نتوجه بها إلى كل مؤسسات المجتمع المدني، إلى الأحزاب السياسية، إلى البرلمان، إلى وسائل الإعلام، إلى الجمعيات الأهلية، إلى المحليات، ساندوا الوزير الجديد حتى يعود الأمن الجنائي قضية جوهرية داعمة للعملية التنموية، وقاطرة تقود المجتمع إلى عودة الثقة في مؤسساتنا الوطنية.
الجريدة الرسمية