رئيس التحرير
عصام كامل

خطة بناء الوعي الشعبي نحو الإصلاح الاقتصادي


أن تقبل الشعوب الإصلاح الاقتصادي وتأييد سياساته هو عامل قوي لنجاح الإصلاح والوصول إلى نتائجه، ولعل تجارب مماثلة مثل تجارب بريطانيا (مرجريت تاتشر) والولايات المتحدة (ريحان) والصين (الحزب الشيوعي) وأخيرًا تجربة البرازيل.. وقد سبق أن تحدثنا عنها في مقالات سابقة وبدون شك لم تنجح حكومة شريف إسماعيل في إقناع طبقات الشعب الأكثر تضررا من إجراءات رفع الدعم نحو حتمية الإصلاح الاقتصادي، فكان الخطاب السياسي للإعلام ينصب في مسار الأخطار والمؤامرة على الدولة.


العالم الأمريكي "ريتشارد ثيلر" حصل على جائزة نوبل الاقتصادية لعام 2017 مؤخرا لنظرياته لتشكل ثورة لعلم مستحدث هو الاقتصاد السلوكي، من خلال دراسة العوامل النفسية في التأثير السيئ على القرار الاقتصادي للفرد داخل المجتمع، ليشكل طفرة نوعية ضد النظريات الكلاسيكية التي افترضت أن المواطن المستهلك يعقل جيدا أثر القرار الاقتصادي نحو مصالحه حسب قاعدة الاحتياج الفعلي، وهو ما ثبت خطأه في ظل تفشي ظاهرة الاقتصاد الاستهلاكي التي مثلت خطرا على المجتمعات.

كتاب "التنبيه" (Nudge) الذي شارك في كتابته "ثيلر" حقق أعلى المبيعات في العالم ويبحث الدوافع النفسية التي تدفع الفرد نحو قرارات اقتصادية غير عقلانية، مما دفع الحكومة الإنجليزية إلى تأسيس "وحدة للتنبيه" خلال حكم رئيس الوزراء "ديفيد كاميرون" عام 2010 للتوصل إلى سبل إبداعية لتغيير السلوك العام، ثم انتشرت فروعها في بريطانيا ونيويورك وسنغافورة وسيدني..

وقد أثار "ثيلر" جرس الإنذار نحو الثقافة الاستهلاكية للفرد ثم المجتمع، وأن الأغلبية يصرفون أموالهم على خطط قصيرة الأجل وتم تصنيفها أنها نفس فاعلة (doer- self)، أما النوع الأكثر عقلانية والأقل نسبيا هو النفس المخططة ( planner-self) هي التي تخطط وتدخر، لذا فإن دور الدولة هو تحفيز المجتمع نحو النموذج الثاني لتعظيم ثقافة الادخار وخنق المعطيات النفسية للثقافة الاستهلاكية ويلاحظ ذلك من نمط أثرياء الغرب مثل "مارك زوكربيرج" و"ستيف جوبز" في بساطة الملابس كقدوة مجتمعية لإبراز قيمة العمل قبل الرفاهية والإسراف.

نجاح التوجيه السلوكي في بريطانيا لم يكن الوحيد وانتشر في دول العالم، فهناك دول عربية أسست مراكز مماثلة مثل لبنان والكويت وقطر، بعضها حكومي والبعض في شكل غير حكومي، وهي تجارب ناجحة تعاملت مع ثقافات مقاربة للثقافة المصرية.

وبعيدا عن الاستهلاك الاقتصادي، فهناك أمراض مدمرة في مجتمعاتنا مثل التطرّف الديني والتحرش والعنف والولاء للوطن... إنها أمراض تحتاج برامج تدور في فلكها المناهج التعليمية والإعلام والرموز المجتمعية المؤثرة.

إن خلق تفاهم مجتمعي نحو قضايا وإصلاحات تقودها الحكومات أصبح ضرورة لاستقرار النظام السياسي للدول في ظل عالم يتسارع في الاعتماد على العلم والتكنولوجيا، خاصة في ظل توافر المعلومات بكم هائل من مصادر مثل إنترنت الأشياء، internet of things، وللعلم فإن وحدات الترغيب السلوكي لا تمثل عبئا ولا تحتاج إلى عدد يسير من العاملين..

فقد احتوت الوحدة في بريطانيا على ١٢٠ موظفا فقط.. وهناك مبادرات أكاديمية موثقة لتطوير هذا العلم والاستفادة به مثل تحول الترغيب السلوكي في الجامعة الأمريكية بيروت إلى مناهج في دراسة ماجستير الاقتصاد إلى تجربة مؤسسة "كارنيغي" لمبادرة مختبر سياسات المواطن المستهلك.. إلى جانب سعي دول للتدريب والتأهيل لممارسة علم الترغيب السلوكي لتشكيل ثقافة مجتمعية نحو بناء الوطن.
الجريدة الرسمية