رئيس التحرير
عصام كامل

عمار على حسن: تجديد الخطاب الديني «بائس».. الطبقة الوسطى تتآكل.. ومحاربة الفساد أشد من الإرهاب.. الأحزاب لا تزال مريضة بالمرض العُضال الذي أصابها قبل ثورة يناير

الدكتور عمار على
الدكتور عمار على حسن

يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور عمار على حسن، أن دائرة الفقر تتسع، موضحًا في حوار ضمن مبادرة "الصوت الآخر".. معارضة من أجل الوطن" التي أطلقتها «فيتو» مؤخرا أن هناك مسئولين يقطنون أبراجا عاجية لا يشعرون بـ "وجع الغلابة".


وأكد "عمار" في حوار مع "فيتو" أن البرلمان، في نسخته الجديدة، تخلى عن دوره الرقابي، وتحول إلى باب لتمرير القوانين دون مناقشتها أو تدقيقها.. وإلى نص الحوار..

*في البداية ما تقييمك للمشهدين السياسي والاقتصادى في مصر الآن؟
المشهد يدعو جزئيًا إلى الإحباط، فيتسع كل يوم هامش الفقر، حتى صار هو المتن، والاستثناء صار القاعدة، فالطبقة الوسطى تتآكل، والديون تتراكم، والتنمية متعثرة، كما أصبح دور مصر الثقافي في تراجع، ومشاركة المثقفين في الحياة العامة بدأت تنحسر.

*من وجهة نظرك، كيف ترى التعديل الوزاري الأخير، ومعايير اختيار الوزراء الجدد؟
المعايير هي نفسها التي يتم اختيار الوزراء على أساسها منذ 1952 حتى الآن، فالثقة تُقدم على الخبرة، وتغيير الوجوه لا يترتب عليه إطلاقا تحسن في الأداء، لأن كل من يتم اختياره من المدرسة نفسها، أما الذين يبدعون ويمارسون اختصاصاتهم التي أعطاهم إياها الدستور والقانون، ويشعرون أن انتماءهم الحقيقي للناس، هم فقط الذين بوسعهم أن يصنعوا الفارق، ويتقدموا بمصر.

*كيف ترى أداء البرلمان في الفترة الماضية؟
البرلمان تحول من سلطة للرقابة والتشريع إلى باب لتمرير القوانين، فبعض القوانين لا يستغرق مناقشتها سوى بعض ساعات، وهي قوانين مهمة وأساسية، فصورة البرلمان أمام الرأى العام صارت مجروحة.

* إذا انتقلنا بالحديث عن الأحزاب ووضعها الحالى في البلاد.. ماذا تقول؟
الأحزاب السياسية لاتزال مريضة بالمرض العُضال الذي أصابها قبل ثورة يناير، وكانت الثورة فرصة لصناعة أحزاب حقيقية لها قواعد جماهيرية واسعة، ولها إمكانات وموارد بشرية ومادية تمكنها من العمل السياسي الفعّال، لكن للأسف الأحزاب القديمة لم تستفد من هذا المشهد، وما استجد من أحزاب أقامها رجال يحملون الفيروس ذاته فنقلوه، وتحولت الأحزاب إلى مجرد كيانات فارغة لا وزن لها، ولا يُنظر إليها باعتبارها من الممكن أن تصنع بديلا في المستقبل، ومن ثم وصلنا أو عدنا إلى المعادلة السيئة التي كانت قائمة وهي "جماهير بلا أحزاب، وأحزاب بلا جماهير".

*هل يعنى ذلك أنه لا توجد معارضة حاليا تستطيع فرض وجهة نظرها؟
لا توجد معارضة فعَّالة منتظمة في كيان أو منظمة أو حركة اجتماعية، باستثناء الحركة المدنية الديمقراطية، ولم تقو بعد لتكون تيارا معارضا فعالا، أما المعارضة الفردية الموجودة فتستشعر دوائرها في البيوت وفي الأسواق، وفي مكاتب الموظفين، وفي الشوارع، وعلى المقاهي، فهذه الأصوات تردد دائما أن السياسة الحالية لا تروق لهم، ويزيد على ذلك ما يُكتب على مواقع التواصل الاجتماعي، من آراء وتعبيرات لقطاعات عريضة من الناس، أغلبهم من الشباب.

*ما التحديات التي تواجه الحكومة في الفترة المقبلة؟
هناك تحديات اقتصادية تتعلق بالراغبين في العمل، وتحسين أحوال المعيشة للمصريين خاصة الشباب، وهناك كذلك تحد بناء تنمية حقيقية، تنشغل بتحسين أحوال القطاع الزراعي والصناعي ثم الخدمي وصولا إلى الصناعات الإبداعية واقتصاديات المعرفة، وتحد مرتبط باستمرار محاربة الإرهاب الذي قد تكون السلطة الحالية قلمت أظافره لكنه لا يزال موجودا وقادرا، خاصة أننا نواجه الإرهابيين لكن لا نواجه الإرهاب، بمعنى أنه لا تُعالج المسألة من جذورها، أما عن تحدي محاربة الفساد فهو أشد خطرا من الإرهاب، لأن الإرهاب يعبئ ويجيش طاقة الدولة في مواجهته، لكن الفساد ينهك هذه الطاقة من أساسها، ورغم الجهد الذي يبذل من قبل الرقابة الإدارية حتى الآن، لكنه جهد متقطع، يتابع بعض الأفراد، لكنه يركز فقط على الفساد المالي، بينما الفساد الأخطر هو الفساد الإداري، القائم على اختيار من ليسوا أكفاء في إدارة جهاز الدولة، كما أن الفساد السياسي المرتبط بانتهاك السلطة للدستور والقانون تتسع دوائره، علاوة على الفساد الأخلاقي المرتبط بتردي القيم وتراجع الأشياء والأفكار التي تحض على الفضائل في مجتمعاتنا.

*كثر الحديث عن تجديد الخطاب الديني ومكافحته للإرهاب، فما تقييمك له في مصر؟
نحن أمام طلاء جديد لجدار قديم، بمعنى أن الخطاب الديني التقليدي القديم البائس الذي لا يلبي الاحتياجات الحقيقية لمجتمعاتنا، لا يزال هو المُتسيد، وكل ما فعلته المؤسسة الدينية، أنها جاءت على هذا الخطاب وقامت بطلائه ببعض مساحيق التجميل، وقدمته لنا باعتباره تجديدا، وهذا في الحقيقة تزييف، لأن شروط الإصلاح الديني لم تنهض بها هذه المؤسسات بعد، والتي تتطلب الانطلاق من أسس محددة، منها: أن الإيمان مسألة فردية، ولا واسطة بين الإنسان وربه، لا من مؤسسة ولا من معهد ولا من رجل دين،
وثانيا: أن العقل يكمل مسيرة الوحي ولا يخاصمه،
وثالثها: أن التمييز الواضح والحاد والذي لا لبس فيه بين الدين والسلطة السياسية،
ورابعةا: الالتفات إلى التربية الأخلاقية والوعي الأخلاقي، وهو الفريضة الغائبة في الخطاب الديني الحالي الذي يركز على جوانب مرتبطة بالعقائد أو بالعبادات أو الطقوس، لكنه لم يلتفت بالقدر الكافي لموضوع الأخلاق وهو مهم،
وخامسها: الربط بين الإصلاح الديني وبين الإصلاح الاجتماعي، وتعزيز الفضائل ومقاومة الرذائل، فبشكل عام سيساعد هذا في تعزيز خطاب ديني تنويري حقيقي، لكن الحالة العامة عند الناس لا تزال تتعامل بأريحية مع الخطاب الديني السائد، رغم أنه أصبح عاجزا عن الإجابة على الأسئلة الحياتية الضرورية الملحة التي تواجه الناس.

*ما رؤيتك لواقع ومستقبل الصحافة الورقية؟
الصحافة تحتضر، وامتد الأمر إلى دور النشر الآن والمطابع، والقانون الجديد الذي صدر بخصوص الصحافة، سينقلها من العناية السريرية في قسم الأحوال العامة إلى العناية المُركزة.

*بشكل عام ما تحليلك للشخصية المصرية بعد ثورتين؟
هناك قيم ثابتة مستمرة في أي شخصية وطنية أو قومية في مجتمع من المجتمعات، وهناك أشياء تتعرض للاختلاف والتغيير، فالشخصية المصرية كانت تتمتع بقيم ثابتة، وطقوس متوارثة منذ آلاف السنين، رصدها بعض الذين درسوا الشخصية المصرية مثل جمال حمدان في كتابه، وأنور عبد الملك، وسليمان حُزين، وصبحي وحيدة، السيد عويس، فهؤلاء اهتموا بكل تلك الجوانب الثابتة في الشخصية المصرية، لكن في العقود الأخيرة طرأت علينا بعض المؤثرات للتحول، أولها: الانفتاح الاقتصادي منذ 1974، الذي أدى إلى تغير البنى الاقتصادية في المجتمع، فأثر على القيم، فانتقلنا من الإيمان بقيمة التعليم وبذل الجهد والمثابرة، والكفاح في سبيل الترقي، إلى الرغبة في الثراء السريع، والفهلوة، والميل إلى الحلول الفردية والأنانية المفرطة، والإيمان بالحياة المادية، وتراجع فكرة الانشغال بالتعاون والعمل الجماعي والمشاركة.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية