رئيس التحرير
عصام كامل

نبينا ونبيهم (6)


يدعو المولى، تعالى، عباده المؤمنين، قائلًا: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم"، هنا يقسم الله، عز وجل: إنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا؛ ولهذا قال: "ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليمًا"، أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليمًا كليًّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".


كيف يدعو الخالق، سبحانه، الخلق إلى طاعة رسوله، صلى الله عليه، وآله، وسلم، وهو يعلم أنه، وأستغفر الله العظيم، غير أمين على المسلمين، وسيدعوهم إلى العنف والتشدد، وإراقة الدماء، والتطاحن فيما بينهم وبين غيرهم؟!

يقول تعالى، أيضًا: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا".

يقول "الطبري" في تفسيره: القول في تأويل قوله: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ".. قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولم نرسل، يا محمد، رسولا إلا فرضت طاعته على من أرسلته إليه.. يقول تعالى ذكره: فأنت، يا محمد، من الرسل الذين فرضت طاعتهم على من أرسلتُه إليه.

فمن ترك طاعته، صلى الله عليه وآله وسلم، والرِّضى بحكمه واحتكم إلى الطاغوت، فقد خالف أمري، وضيَّع فرضي.

ثم أخبر جل ثناؤه أن من أطاع رسله، فإنما يطيعهم بإذنه، يعني: بتقديره ذلك وقضائه السابق في علمه ومشيئته.. حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "إلا ليطاع بإذن الله"، واجب لهم أن يطيعهم من شاء الله، ولا يطيعهم أحد إلا بإذن الله.

وقال سبحانه: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة".. فهل يمكن أن تكون الأسوة الحسنة بالقتل والتدمير؟! حاشا لله، ولرسوله.

وفي موضع آخر: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ".. يقول "الطبري": قال ابن عباس: كان فيهم أمانان: النبي - صلى الله عليه وسلم - والاستغفار، فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقي الاستغفار؛ فالنبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أمان للأمة، وسبب غفران ربها لها.. فكيف نستسيغ أن يكون هو، والعياذ بالله، مصدرًا للإزعاج، والتدمير، والتقتيل؟!

على المسلمين أن يدركوا، ويوقنوا أن نبينا هو نبي الرحمة، عاش كارهًا للعنف، والتناحر، وحث أتباعه، والناس أجمعين على التراحم والتواد والتعاطف والتسامح، حتى ارتقى إلى جوار ربه.

صورة النبي التي يحاول أنصار "داعش"، وبعض السلفيين، والوهابية، تصديرها إلى أذهاننا ليست هي الصورة الصحيحة لنبي الرحمة.

أما لماذا سعوا، جاهدين، إلى تشويه تلك الصورة العظيمة، فذلك مرجعه إلى التسابق على الدنيا، بدءًا من تحول الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض.. اقرأوا التاريخ الإسلامي، بعين ثاقبة، توقنوا أن مَنْ كتبوه، كانوا، في معظم الأحيان، متأثرين بالأهواء، والحب والكراهية.. وأن هناك ممن كتبوا التاريخ، مغرضين، وتعمدوا التزوير من أجل مكاسب دنيوية، أو إرضاء لملوك وحكام، أو انتقامًا من شخصية ما.

لا المحب ولا الكاره يصلحان لكتابة التاريخ، وتدوين الوقائع بدقة.. والحل الآن هو إعادة قراءة وكتابة تاريخ الإسلام، والدعوة الإسلامية، بإنصاف وتجرد؛ علنا ننجح في إزالة التشويه عن صورة نبينا الكريم، ومحو صورة نبي المتطرفين، وشذاذ الآفاق.
الجريدة الرسمية