رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

بأيدينا جعلنا الثانوية العامة مصيبة الأمة!


عادة بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة في مصر، تدق الطبول وتعلو أصوات الزغاريد البيوت وتتفاوت أشكال التهاني والمجاملات والمكافآت حسب المستويات المادية والاجتماعية لعائلات الطلاب، لتبدأ بعد هذه النتيجة كتابة سطور جديدة في فصل هام وجديد من مستقبل أولادنا ومن ثم وطننا، وإن كنت فرحا لفرح أولياء الأمور والطلاب الذين نجحوا وتفوقوا حسب مقياس التفوق الذي يستخدم في تقييم الطلاب في هذه المرحلة، إلا أنني أرى دائما أن ثقافة ومفهوم الثانوية العامة لدينا، هما مصيبة أمتنا وسبب رئيسي في تراجع مشهود نعيشه!


قد يغضب البعض من هذا الطرح، ولذلك أدعو من سوف يغضب ومن لن يغضب إلى تدبر وجهة نظري في السطور القليلة القادمة بتجرد، حتى نفهم حقيقة ما نعيشه من واقع مؤلم، نذوق كل يوم بسبب تداعياته، تدني جودة الحياة على كل المستويات، بدء من أهم شيء وهو التعليم ومرورا بكل شيء من الصحة والثروة الحيوانية والزراعية والاقتصاد والسياسة والسكن والمواصلات والخدمات المباشرة وغير المباشرة في حياتنا، ومن هو المتهم الرئيسي خلف كل مانعيشه من بأس شديد!

والبداية سؤال هام باللغة العامية، إلى عشرة مدرسين في كل مرحلة من مراحل التعليم قبل الجامعي المختلفة "كان نفسك تطلع ايه؟" وبدون الحاجة إلى طرق إحصائية معقدة وبالأرقام المطلقة بعيدا عن الأرقام النسبية، سنجد أن ٧ مدرسين على أقل تقدير من العشرة، كانوا يخططون لدخول الطب أو الهندسة، أو الإعلام أو الاقتصاد والعلوم السياسية أو الألسن، لولا مكتب التنسيق الشرير وفرقت معاهم على نص في المائة!

وهي القصة الشهيرة المتكررة بغض النظر عن صدقها من عدمه! والمرجع والشاهد هنا، القصص التي سمعناها كثيرا في الحصة الأولى التعريفية للكثير من أساتذتنا في كل المراحل واللقطة في هذا السؤال وهذه النتيجة وهذا الإحصاء السريع، أن ٧٠٪؜ على الأقل من القائمين والمنوط بهم مسئولية التدريس وتعليم الأطفال والنشء والشباب في المراحل الدراسية الأولى لم يكن حلمهم يوما هذه الوظيفة وما دفعهم إليها، هو مكتب التنسيق عليه لعنة الله كما يشعرون نحوه، وهنا تكمن تفاصيل المصيبة!

تفاصيل المصيبة تكمن في كل مدرس ومحاسب ومحام ومهندس زراعي وطبيب بيطري وأخصائي اجتماعي وأخصائي تربية رياضية وفنية وجيولوجي وكيميائي وفيزيائي ودرعمي (دار علوم) وغيرهم لم يكن حلمه يوما هذه الوظائف ولكنه مكتب التنسيق الشرير، كما يراه كل متضرر حسب تفسيره وثقافته والأنكى من ذلك تطور الحدث إلى مشكلات نفسية تؤثر على سلوك الكثير ممن يمتهنون هذه المهن في مستقبلهم القريب، مع كل تداعياتها السلبية على المجتمع، فنجد المدرس كارها لطلابه عنيفا معهم، بل يستخدمهم في تحقيق مطامع مادية يخمد بها نار غضبه من لعنة مكتب التنسيق، ويتسبب في خلق أجيال مشوهة فكريا وعلميا وخلقيا!

وبالقياس على ذلك، مصيبة في كل مهنة يعمل بها أشخاص لم تكن لهم يوما حلما، فنجد مهندسا زراعيا ليس له من المهنة إلا شهادة لم يمارس العمل بها في حياته ويكتفي بتعريف نفسه المهندس فلان، خوفا من مجتمع مشوه فكريا، فيه أشخاص مريضة يطلقون على خريجي الزراعة مهندسين برسيم، ويتركون خلفهم ثروة زراعية وحيوانية تندثر وتضمحل وطبيبا بيطريا يذهب للعمل في شركات الأدوية وبعضهم يعرف نفسه أنه صيدلي تفاديا لمجتمع جاهل يطلق عليه دكتور حمير وبهايم ويترك خلفه ثروة حيوانية تتحكم فيها كل الأمراض والأوبئة ولحوم حمير تباع في محال الجزارة على إنها بتلو..

ومحاميا يقبل كل القضايا ويخسر معظمها ويقبض أتعابه مقدما وقاضيا لا يجيد قراءة اللغة العربية ومحاسبا يفكر في العمل في البنوك الأجنبية ويستولي على أموال العملاء ويهرب بها وضابط يلقن كل طبيب أو مهندس يستوقفه مصادفة في كمين مرور، درسا مغزاه أنه باشا وسيد وغيره عبيد وحدث ولا حرج، وطبيبا لا يمارس الطب ومهندسا لا يمارس الهندسة وأن مارسوها، نتج من ممارستهم مصائب والسبب هو مكتب التنسيق عليه لعنة الله كما يعتقدون!

والحقيقة مكتب التنسيق بريء من هذا الاتهام وهذه المصيبة براءة الذئب من دم بن يعقوب، والمسئول عنه هو الجهل الذي نعيشه وخرافات ما يسمى بكليات القمة والتي لا توجد إلا في عقول من يعيشون في أعماق القاع، من قال إن الطب والهندسة هي كليات القمة ومن قال إن الحقوق والتجارة هي كليات القاع، من قال إن الطبيب أهم من المدرس أو إن المدرس أهم من الطبيب، من قال إن مهندس الكهرباء مهندس وإن مهندس الزراعة مزارع، من قال إن الطبيب البيطري بتاع بهايم وان الصيدلي بقال، من قال أن من يدخلون الطب والهندسة هم العباقرة، من قالوا ذلك هم من تسببوا في كل خراب ودمار نعيشه الآن وسيستمر معنا فترة طويلة لها تداعيات سيئة للغاية!

أكتب هذه المقالة وأنا أعيش في الولايات المتحدة وأبنائي يدرسون فيها، وعايشت تجربة الثانوية العامة والتقديم للجامعات ولم أسمع يوما شيئا يطلق عليه كليات القمة، بل إني رأيت مجتمعا يذهب فيه الأطفال في المراحل الدراسية المختلفة إلى كل الأقسام العلمية بالكليات والجامعات حتى يصبح لديهم وعي بقيمة كل مهنة ويصبح كل طفل لديه رؤية وحلم لنفسه، لا يوجد ضمن مكوناته، مكتب التنسيق وكليات القمة واستخسار المجموع وعقد النقص والهذي الذي يصنع دمارا شاملا، أنتج لنا أشخاصا يطلقون على أنفسهم إعلاميين دون أن يكون لهم بالمهنة أدنى علاقة، يصدرون لنا جهلا على جهل وحماقة على حماقة ومثلهم مثل غيرهم في مجالات كثيرة، نتاج مصيبة خلقناها بأيدينا لا بيد عمرو أسمها الثانوية العامة بعيدا عن المناهج وطرق التدريس والتقويم والتقييم، وللحديث عنهم بقية!
Advertisements
الجريدة الرسمية