رئيس التحرير
عصام كامل

لقاء هلسنكي- لقاء التنازلات أم ثبات المواقف؟


بعد أن تقرر عقد لقاء قمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في "هلسنكي" في السادس عشر من يوليو القادم، نتذكر قمة "هلسنكي" في يوم 9 سبتمبر 1990، وهذه القمة هي الأهم في التاريخ العالمي الحديث، حيث تقرر فيها موافقة الاتحاد السوفيتي على الحرب الأمريكية ضد صدام حسين، بعد الغزو العراقي للكويت، وبعد هذه القمة بشهور قليلة تم حل الاتحاد السوفيتي.


أما فيما يخص القمة المرتقبة في منتصف يوليو الجارى، فكل الطرق تؤدى إلى عدم نجاحها في تحقيق أي تقدم على صعيد العلاقات الروسية-الأمريكية، أو صعيد العلاقات الروسية-الغربية، فهناك ملفات معقدة سواء على صعيد العلاقات الثنائية الأمريكية-الروسية، على سبيل المثال ملف التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ملف أسلحة الدمار الشامل في كلا الدولتين، ملف شبه جزيرة القرم والملف السوري.

أو على صعيد العلاقات الروسية مع حلف الناتو، على سبيل المثال ملف التحركات العسكرية للحلف بالقرب من الحدود الروسية، ملف الأوضاع في شرق أوكرانيا، ملف الأوضاع العسكرية في منطقة بحر البلطيق وملف خطوط الغاز الروسية لأوروبا.

الموقف الدولي الراهن قبيل قمة "هلسنكي" 2018 في غاية الصعوبة، فلا ينبغي لنا النظر لهذا اللقاء المرتقب على أنه فرصة كبيرة لتسوية الأمور بين القوى العظمى في العالم. فنحن أمام وجود إيراني في اليمن، العراق، لبنان وسوريا مع معارضة شرسة من جانب الولايات المتحدة، إسرائيل والمملكة اليسعودية وفي نفس الوقت تحالف روسي-تركي-إيراني.

ونحن أمام سباق تسلح قوى بين الولايات المتحدة، الصين وروسيا وأمام تضاعف لقوات حلف الناتو بالقرب من الحدود الروسية. وأمام دخول الغاز الأمريكي المسال للسوق البولندية والسوق الصينية بالمقابل نرى ضغوط أوروبية على مشروع السيل الشمالي الروسي.

ونحن أمام تحدٍ كبير بين القوتين العظميين في العالم في الملف النووى الإيراني. أيضا نحن أمام معوقات جمركية على الألومنيوم الروسي في الولايات المتحدة. نحن أيضا أمام صراع ثنائي كبير في مجال سوق السلاح الدولي بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.

والأهم من كل هذه المعوقات هو دونالد ترامب نفسه، فسيكون أكثر حدة مع فلاديمير بوتين، فلا يستطيع الرئيس الأمريكي تقديم أي تنازل للرئيس الروسي، وإلا سيكون موقفه ضعيفا في ملف التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بالتالي لن يستطيع بوتين أيضا تقديم أي تنازل للرئيس الأمريكي وإلا صورة الزعيم القوى التي يحرص عليها بوتين ستهتز.

لذلك لن نرى اعتراف ترامب بضم شبه جزيرة القرم، لن نرى تجميد العقوبات الأمريكية على روسيا، ولن نرى التوقف عن عمليات الانتشار الأفقى لحلف الناتو بالقرب من الحدود الروسية، ولكن من الممكن أن نرى عودة روسيا لـG8.

إلا أن هناك ملفا واحدا فقط تجتمع عليه إرادة كل من الرئيس الروسي والرئيس الأمريكي، وهو ملف الأوضاع في الجنوب السوري، وذلك منذ أن التقوا أول مرة بهامبورج على هامش قمة العشرين، عندما قرروا وقف إطلاق النار في الجنوب الغربي السوري. وهنا نجد أن التنازل الوحيد الذي يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة لروسيا هو خروج القوات الأمريكية من سوريا مقابل خروج القوات الإيرانية أيضا.

وجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيزور موسكو الأسبوع المقبل قبيل قمة هلسنكي، مما يؤكد طبيعة هذه القمة وأهدافها.

لذلك قمة هلسنكي 2018 سننتظر منها فقط خروج القوات الإيرانية من الجنوب السوري، واستبدالها بالقوات السورية، إمكانية خروج القوات الأمريكية من المسرح العسكري السوري مقابل خروج القوات الإيرانية أيضا، عودة روسيا لG8 ومحاولة التخفيف من حدة الصراع في النقاط الساخنة المشتركة حول العالم.

فيما يخص المسرح السوري، إذا ما تم الاتفاق فعلا على إخراج القوات الإيرانية من سوريا مقابل خروج القوات الأمريكية، هل ستكون هناك معارضة من جانب إيران؟ نظن لا، بسبب الموقف الداخلي الإيراني حاليا وبسبب إنتصارات التحالف في اليمن في مقابل تخفيف الضغوط الأمريكية على إيران فيما يخص الملف النووى حاليا.

المستفيد المرتقب بعد قمة "هلسنكي" هي إسرائيل بخروج القوات الإيرانية من الجنوب السوري على الأقل، وتركيا التي ستنفرد بالشمال السوري وحدها بخروج القوات الأمريكية.
الجريدة الرسمية