رئيس التحرير
عصام كامل

الناصريون من هم.. وإلى أين؟!


أحاول من خلال هذا الطرح فض الاشتباك حول ماهية الناصرية والناصريين في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات لتوحيد التيار الناصرى الذي تم تقسيمه وتفتيته عبر ما يقرب من نصف قرن من الزمان، وبشكل ممنهج لا يمكن أن يخلو من المؤامرة، وفى البداية لا بد من التأكيد على أن الناصرية هي تلك التجربة التي صنعها الزعيم جمال عبد الناصر عبر ثورة 23 يوليو 1952 والتي أعلنت ستة مبادئ أساسية شكلت البذور الجنينية للمشروع الفكرى لجمال عبد الناصر وهى:


1- القضاء على الإقطاع.
2- القضاء على الاستعمار.
3- القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم.
4- إقامة جيش وطنى قوى.
5- إقامة عدالة اجتماعية.
6- إقامة حياة ديمقراطية سليمة.

وبالطبع قام جمال عبد الناصر ببلورة مشروعه عبر ثلاثة محاور رئيسية لتحقيق التقدم والتنمية الشاملة، من خلال الحرية والاشتراكية والوحدة باعتبارها مرتكزات رئيسية للنهضة، ومن خلال المبادئ الستة للثورة والمحاور الثلاثة للتقدم والتنمية الشاملة تشكلت المعالم الرئيسية للتجربة الناصرية التي أعلن جمال عبد الناصر، أنها خاضعة للتجربة والخطأ عبر الممارسات الواقعية اليومية، وهو ما يميز تجربة جمال عبد الناصر عن التجارب المستمدة من النظريات الفكرية التي تتعامل على أنها مسلمات في قوالب جامدة، لذلك ظل يصحح من أخطاء تجربته حتى اليوم الأخير في حياته.

وبعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر جرت الردة على مشروعه وتجربته منذ مطلع السبعينيات وهنا بدأت تتشكل مجموعات للمقاومة سواء داخل مصر أو خارجها، تمسكت بمشروع جمال عبد الناصر وتجربته القائمة على المبادئ التي أرساها عبر ثورته، والمحاور الرئيسية لمشروع التقدم والتنمية الذي وضعه، وأطلقت مع الوقت هذه المجموعات على نفسها اسم الناصرية، أي الأشخاص الذين يؤمنون بأفكار ومشروع وتجربة جمال عبد الناصر.

إذن يمكننا الآن تعريف من هم الناصريون ؟ فالشخص الذي يدعى أنه ناصرى لا بد أن يكون على وعى تام بمبادئ جمال عبد الناصر ولا يخرج عن هذه المبادئ التي أرساها عبر مشروعه وتجربته، فالناصرى ضد الإقطاع وسيطرته بكافة أشكاله القديمة والحديثة، والناصرى ضد الاستعمار بكل أشكاله القديمة والحديثة، والناصرى ضد سيطرة رأس المال على الحكم بمختلف أشكالها القديمة والحديثة، والناصرى مع جيشه الوطنى يدعمه ويقويه في مواجهة أعداء الداخل والخارج.

والناصرى مع العدالة الاجتماعية منحازا كما زعيمه مع الفقراء والكادحين والمهمشين في كل مكان، والناصرى مع الحياة الديمقراطية السليمة القائمة على تمكين المواطن من مباشرة حقوقه الدستورية والعيش بكرامة في وطنه، والناصرى مع حرية الإنسان داخل مجتمعه وفقا للمنصوص عليه في الدستور والقانون وضد أي فعل يمس هذه الحقوق والحريات، والناصرى مع الاشتراكية باعتبارها آلية لمنع الاستغلال داخل المجتمع ووسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والناصرى مع الوحدة العربية باعتبارها آلية لمواجهة التكتلات الإقليمية والدولية الكبرى.

هذا هو التعريف العلمى للناصرى وهو تعريف إجرائي يعتمد على مجموعة من المؤشرات التي يمكن قياسها في الواقع فمن تتوافر فيه هذه المقومات فهو ناصرى، أما من يفقد شرطا من هذه الشروط فلا يمكن أن نطلق عليه هذا المسمى، ومن هنا يمكن لكل شخص يدعي أنه ناصرى أن يحكم على نفسه عبر هذه المؤشرات التي جاءت في التعريف العلمى للمفهوم وبذلك نتخلص وبشكل نهائي من فوضى المسميات.

وبالطبع ما ينطبق على الأشخاص ينطبق على المجموعات والتنظيمات والأحزاب التي ترفع راية الناصرية أو تحمل اسم الناصرية، ومن المؤكد أن تطبيق شروط المفهوم في الواقع سوف يكشف الجميع، ويحدد الموقع الحقيقي لكل من يدعى أنه ناصرى سواء كان فردا أو مجموعة أو تنظيم.

فلا يمكن أن يكون ناصرى من يدعم الاقطاع، أو يهادن ويطبع مع الاستعمار، أو يسكت على سيطرة رأس المال على الحكم، أو يهاجم جيشه الوطنى، أو يصمت عن غياب العدالة الاجتماعية، أو لا يثور في مواجهة الاستبداد وعدم إقامة حياة ديمقراطية سليمة، أو من يقبل بفقدان حرية الإنسان، أو عدم تطبيق الاشتراكية لإقامة العدالة الاجتماعية ومنع الاستغلال، أو من لا يدعم الوحدة العربية ويقف صامتا أمام ما يحدث في فلسطين والعراق وليبيا واليمن وسورية من مخططات للتقسيم والتفتيت.

وبعد أن توصلنا إلى من هم الناصريون ؟ نأتى إلى الخطوة الأكثر إجرائية في هذا الطرح وهى الناصريون إلى أين ؟ أعتقد أن كل المحاولات التي تنادى الآن بضرورة وحدة التيار الناصرى عليها، أولا أن تفرز وعبر التعريف العلمى للمفهوم من هو الناصرى الحقيقي سواء كان فردا أو جماعة أو تنظيما أو حزبا، وذلك عبر المواقف المعلنة والمعروفة والمسجلة حول المؤشرات المختلفة التي طرحت في المفهوم. 

وبعد عملية الفرز ستكون مهمة التوحيد أسهل وأيسر بكثير، فالمخلصون لأفكار ومشروع وتجربة جمال عبد الناصر يمكنهم التوحد بسهولة لأنهم لا يبتغون شيئا غير إعادة إحياء مشروعهم المقاوم، أما المتمسحون في رداء جمال عبد الناصر والذين يدعون زورا وبهتانا بأنهم ناصريين في حين يخالفون كل مبادئ جمال عبد الناصر فهم جزء من المؤامرة على المشروع الناصرى المقاوم، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية