رئيس التحرير
عصام كامل

ثقة في الله.. نجم المرحلة


لا تندهش إذا عرفت أن الممثل محمد رمضان قد هاجم - مع رجاله- مقر صحيفة وأحرقه، أو حاصر مع أنصاره المسلحين بالسنج والسيوف مبنى نقابة الصحفيين مطالبا بتسليم أحد أعضائها إليه، أو دبر حادث سيارة لكاتب أو ممثل أو حتى مشاهد تجرأ وانتقده على فيس بوك، وأدعو الله صادقا ألا يأتي اليوم الذي نسمع فيه أن رمضان قد اعتقل ناقدا فنيا، أو أصر على إذلال صحفي بأن أجبره على ارتداء قميص نوم، وبعد أن فضحه، أصدر حكما بمنعه من دخول الاستديوهات، أو المرور أمام مدينة الإنتاج الإعلامي، حتى لو كان من سكان "أكتوبر" !


رمضان - محدود الموهبة - يهاجم زملاءه، يصفهم بالأغبياء، ويصف من انتقدوه بأنهم حمير، وهو بصفته "الأسد ملك الغابة" لا يلتفت إليهم، يتفاخر بثروته، وسياراته الفاخرة، وأهم تصريحاته تأكيده على أنه "رقم واحد"، وأهمية هذا التصريح ليس لكونه مستفزا ومتعاليا، ولكن لأن محمد رمضان -في هذه النقطة بالتحديد- لم يكذب، فهو بالفعل "رقم واحد"، وأعماله ضمن الأعلى مشاهدة، إن لم تكن أعلاها بالفعل!

دعك من غروره، ونرجسيته، وصلفه، وهجومه على الجميع بلا سبب، لا تلتفت إلى تباهيه المبالغ فيه بالثروة والسيارة الفيراري، فهذا لا يعبر إلا عن مركبات نقص مازالت تسيطر عليه بسبب "أيام الكحرتة"، يذكرني في ذلك بصديق لنا اشتري سيارة متواضعة، وقت أن كنا ندبر إيجار مساكننا بالكاد، ومن فرحته كان يحشر السيارة في أي سياق، ويذكرها بالخير بمناسبة ودون مناسبة، كأن يقول: اليوم ذهبت للعمل متأخرا لأن السيارة متعطلة، أو العكس  ذهبت للعمل متأخرا رغم وجود السيارة بسبب زحام الطرق، أو يروي: كان لدى موعد مع صديق فقررت الذهاب بدون السيارة لأن المترو أسرع، وهكذا...

دعك من كل ذلك ولنناقش سبب نجاح أعمال محمد رمضان، رغم موهبته المحدودة، وهو سبب يتعلق - في رأيي- بالقطاع الذي يستهدفه من الجمهور، هذا القطاع الذي يرى في أعمال رمضان تجسيدا للواقع الذي يعيشونه، البلطجة والدم والمخدرات والفتونة، البذاءة والفهلوة، الحق الذي لا توجد دولة تحميه، ومن ثم فعليك أن تأخذه بيدك، وإن لم تستطع فبلسانك البذيء، وهذا أضعف الإيمان!

كثير من الذين يحبون رمضان وحكاياته، يعتبرونه ناقلا أمينا لحياتهم، بل ويتمنون من قلوبهم لو امتلكوا قوته، وجبروته، وشجاعته، غالبيتهم يعيشون الفقر في أبشع صوره، والقهر في أعلى مستوياته، ليس قهر الدولة فقط، لكنهم محاصرون بمنظومة لا تعترف إلا بالقوة، والعنف، بالسنجة والسيف، بدءَا من سائق التوكتوك، ومرورا بمدمني المخدرات، وانتهاء بفتوات المنطقة، الذين عادوا بقوة وأصبحوا يؤجرون الشارع بالمتر، ويفرضون الإتاوات بشكل أكثر حداثة، فيسمونها "الشاي أو الإكرامية"، عادت بلادنا إلى عصر فتوات نجيب محفوظ، فلماذا نندهش إذا أصبح محمد رمضان هو المثل الأعلى للحرافيش؟!

عاني محمد رمضان في بداية حياته مثلما عانى أي فنان، عامله المخرجون باستهزاء، طرده الفنان على الحجار من مسرحية كان يعمل معه فيها ومنعه من دخول المسرح، ثم دارت الأيام وفتحت الدنيا ذراعيها لرمضان، منحته الشهرة والثروة، قال عنه عمر الشريف أنه يرشحه ليكمل مسيرته نحو العالمية، اعتبره كثيرون خليفة أحمد زكي، بعد أن قدم فيلم "احكي يا شهرزاد"، للمبدعين وحيد حامد ويسري نصر الله، كل هذا النجاح الذي لا أرى -بصراحة- أنه يستحقه، لم يدفعه إلى مزيد من التجويد، ليس لأن أيام الفقر والمذلة ظلت كابوسا يطارده فحسب، ولكن لأنه ابن الجيل الذي خرج من تعليم منهار، وثقافة عشوائية، ودولة رفعت يدها عن تطبيق القانون، وتركت لمواطنيها حرية التصرف فيما بينهم، يأخذون الحق بطريقتهم، شريطة ألا يفكروا يوما في انتزاع حقوقهم من الدولة!

أدرك محمد رمضان قانون الوجود والنجومية، لم يهتم كثيرا بمن أشادوا به، بل وأذكر أنه تبرأ من فيلم "احكي يا شهرزاد"، لأنه من وجهة نظره يحتوي على مشاهد "قلة أدب"، هجر فن وحيد حامد ويسري نصر الله "قليل الأدب"، واتجه إلى الفن المؤدب من وجهة نظره، فقدم عبده موتة، والأسطورة، وغيرها من الأعمال "المؤدبة"!

من وجهة نظر رمضان هو الممثل "رقم 1"، لأن جمهوره هو الأكبر والأعرض، عرف سر الخلطة التي يحبونها فقرر أن يلتزم بها، مع تغيير سياق الحدوتة في كل مرة، ومن وجهة نظر الجمهور، محمد رمضان هو النموذج الذي يحلمون بأن يكونوا عليه، القوى دائما، الشجاع دائما، المنتصر دائما، ومن ثم يمنحه هذا الجمهور الشهرة، والثروة، والسيارة الفيراري..

ما زال بعضنا يندهش من أن الهجوم الذي يتعرض له رمضان مع كل عمل يقدمه، لا يؤثر على جماهيريته أو حجم نجاحه، دون أن ينتبه هؤلاء إلى أن الدائرة المحيطة بهم، والتي ترفض أعمال رمضان مثلهم، هي - مهما اتسعت- دائرة ضيقة، مقارنة بالملايين التي تخاطبها أعماله..

هم كثيرون جدا، كثيرون بحجم الفقر والعشوائية والقهر في بلادنا، أما نحن فقلة، يخاطب بعضنا بعضا على فيس بوك، نتخيل أننا الأغلبية الواعية المدركة الحالمة بفن راق، بينما حقيقة الأمر أننا أقل من ذلك بكثير، محبي رمضان والحالمون بأن يكونوا "أسطورة مثله" كثيرين جدا، ونحن قليلون جدا، قليلون إلى درجة لا بد معها أن نحزن، وأن نردد على طريقة سناء جميل في فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة": احنا قليلين قوي يا سيد!
الجريدة الرسمية