رئيس التحرير
عصام كامل

كل هذه الحرب من أجل هذه اللحظة!


في الذكرى السبعين للنكبة قام العدو الأمريكى بتنفيذ قرار نقل سفارته إلى القدس العربية المحتلة، وبذلك أسدل الستار على فصل هام من فصول العدوان الصهيوني على الأرض العربية، بحيث أعلن العدو الصهيونى أن القدس هي العاصمة الأبدية لكيانه المزعوم، وهذا العدوان ليس بجديد فالعدو الصهيونى يفرض علينا حالة الأمر الواقع على مدار السبعين عاما الماضية، وبالطبع لا يوجد مجتمع دولى حقيقي ولا منظمات دولية حقيقية، فالجميع يخضع في نهاية الأمر للهيمنة الأمريكية، التي تخضع بدورها لتأثيرات اللوبي الصهيونى المسيطر على المؤسسات الحيوية داخل الولايات المتحدة الأمريكية.


وما تتخذه الأمم المتحدة من قرارات لا تعدو أن تكون حبرا على ورق لا ينفذها العدو الصهيونى، ولا يعتد بها ولا بمن اتخذها ما دامت تتعارض مع مصالحه العدوانية، فكل قرارات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الشعب العربي الفلسطيني لم يتم تنفيذها منذ النكبة وحتى اليوم، فالعدو الصهيونى لديه مشروع استعمارى استيطانى يسعى من خلاله إلى القضاء على الشعب العربي الفلسطينى لتكون الأرض العربية الفلسطينية خالصة له، ليس هذا فحسب بل هناك حلم عدوانى كبير يقول: "إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات"، والعبارة مسجلة فوق باب الكنيست الاسرائيلى، والعالم أجمع يعلمها ولكنه يتعامى عنها إما تواطؤا أو خوفا.

وعندما حدثت النكبة قبل سبعين عاما كانت الأمة العربية تحت الاحتلال القديم (البريطانى – الفرنسي) وعلى الرغم من ذلك توجهت الجيوش العربية الضعيفة والهشة في ذلك الحين إلى فلسطين في محاولة للدفاع عنها، وعلى الرغم من الهزيمة بفعل بعض الخيانات العربية المبكرة إلا أن النكبة قد خلقت حالة من الصراع بين الأمة العربية والعدو الصهيونى المغتصب للأرض العربية المحتلة، وظل الصراع مستمرا بعد تحرر المجتمعات العربية من الاستعمار، ووجدت الأمة العربية ضالتها في الزعيم جمال عبد الناصر الذي شارك في حرب فلسطين وحوصر في الفالوجة وشهد بعينيه الخيانة العربية، فكانت دعوته إلى إحياء المشروع القومي العربي كركيزة أساسية لمواجهة العدو الصهيونى.

ولكن ظل العدو الصهيونى يحيك المؤامرات عبر اختراق المجتمعات العربية ومحاولة جذب الرجعية العربية إليه لتقف في وجه المشروع الوحدوي العربي، ونجح العدو الصهيونى في مهمته فكانت نكسة 1967 لحظة انكسار للمشروع، لكن ورغم الهزيمة قرر جمال عبد الناصر أن يستمر في مقاومته، ورفض كل محاولات العدو الصهيونى لاستمالته، وخاض حرب الاستنزاف في الوقت الذي كان يعيد فيه بناء الجيش من جديد، استعدادا لمواجهة شاملة مع العدو الصهيونى لتحرير كامل التراب العربي المحتل، حيث أكد في مؤتمر الخرطوم في أعقاب النكسة مباشرة أنه "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف" وأن "ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة" وفى غمار المعركة رحل الزعيم جمال عبد الناصر.

وبعد رحيله ضغط العدو الصهيونى على الرئيس السادات الذي حول خطة حرب أكتوبر 1973 والتي أعدها جمال عبد الناصر تحت مسمى جرانيت ( 1 ) وهى خطة خوض حرب تحرير كاملة، إلى جرانيت ( 2 ) وهى حرب محدودة يتحقق من خلالها انتصار محدود من أجل تحريك المفاوضات مع العدو الصهيونى، والذي انتهى بالفعل بعقد اتفاقية كامب ديفيد 1978 والتي أخرجت مصر من دائرة الصراع العربي الصهيونى، وبخروج مصر أصبح الأمر أكثر يسرا على العدو الصهيونى، فتمكن بعد ذلك من عقد نفس اتفاقية الاستسلام مع الفلسطينيين في أوسلو 1993، ثم مع الأردن في وادى عربة 1994.

ومنذ ذلك التاريخ انحصر الصراع العربي الصهيونى في كل عدوان جديد على الأرض والشعب العربي الفلسطينى في خطابات الشجب والتنديد والإدانة من قبل الحكام العرب، والتنفيس عبر المسيرات والتظاهرات الغاضبة للشعب العربي الرافض للممارسات العدوانية المتكررة والممنهجة للعدو الصهيونى، وباستثناء المقاومة اللبنانية التي أجبرت العدو الصهيونى على الانسحاب من الجنوب اللبنانى عام 2000، وانتصارها عليه في حرب تموز 2006، لم تشهد ساحة المواجهة العربية مع العدو الصهيونى أكثر من المواقف الكلامية سواء على المستوى الرسمى أو الشعبى، هذا بالطبع إلى جانب المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة الموجودة والحاضرة دائما في مواجهة العدو الصهيونى وتسبب له ازعاج وذعر بشكل مستمر.

وعندما انطلقت شرارة الربيع العربي المزعوم الذي تحول إلى ربيع عبرى بامتياز بناءً على نتائجه، فالمستفيد الأوحد من هذا الربيع هو العدو الصهيونى الذي أشعل نيران الحرب داخل المنطقة، وعبر الجيل الرابع للحروب وباستخدام وسائل الإعلام، والفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية، والجماعات التكفيرية الإرهابية، وأموال النفط الحرام، لتنشغل كل المجتمعات العربية بحروبها ومشاكلها الداخلية بعيدا عما يتم داخل فلسطين المحتل..

وعندما جاءت اللحظة الحاسمة والتي أعلن فيها العدو الأمريكى عن نقل سفارته للقدس كمقدمة لإعلان القدس عاصمة أبدية للعدو الصهيونى، كان الصوت العربي الذي ينطلق قبل الربيع العبري ليشجب ويندد ويدين على المستوى الرسمى قد خرس بشكل نهائي بل ظهرت أصوات تؤيد العدوان الصهيونى الفاجر من فوق كراسي الحكم العربية، والمسيرات والتظاهرات الشعبية الغاضبة اختفت تماما في العواصم العربية خوفا من البطش بها فالضرب والسحل والاعتقال والسجن والقتل هي البدائل المتاحة أمام كل مواطن عربي يفكر في التنفيس عن غضبه عبر المسيرات والتظاهرات.

فعلى المستوى الرسمى تمكن العدو الصهيونى من السيطرة شبه الكاملة على العرب وباستثناءات بسيطة تتمثل في محور المقاومة، أما على المستوى الشعبي فقد قام العدو الأمريكى – الصهيونى باختراع ذلك العالم الافتراضى (مواقع التواصل الاجتماعى) كوسيلة مؤقتة للتنفيس عن الغضب حيال ما يقوم به العدو الصهيونى من ممارسات عدوانية ضد شعبنا العربي الفلسطينى، وبالتالى تمت السيطرة على الغضب الشعبي العربي كما تمت السيطرة على دوائر الحكم العربية.

وبذلك يمكننا القول أن كل هذه الحرب التي انطلقت في مطلع العام 2011 كانت تستهدف هذه اللحظة، لكن وعلى الرغم من كل ما حققه العدو الصهيونى من مكاسب خلال السنوات السابقة، سيظل محور المقاومة شوكة في حلقه، فالدفاعات الجوية العربية السورية التي تقف لصواريخه المعتدية بالمرصاد، وصواريخ حزب الله التي تقف لترد أي عدوان على لبنان، وخروج الشعب العربي الفلسطينى تجاه القدس وهو يستقبل الرصاص الصهيونى دون خوف أو رعب، وخروج المسيرات والتظاهرات الشعبية الغاضبة في اليمن الجريح، كل ذلك يؤكد أن المعركة والصراع مع العدو الصهيونى ما زال قائما، ونحن في انتظار جولات جديدة مادام هناك من يؤمن بأن قضيتنا المركزية هي القضية الفلسطينية، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية