رئيس التحرير
عصام كامل

شكر الله سعيكم!


عندما تقع حالة وفاة ينتفض المعارف والأصدقاء والجيران والأقارب، ليقدموا واجب العزاء في الفقيد مجاملة لأهله وذويه.. ويحرص هؤلاء على إبداء الحزن على الفقيد أو الفقيدة بدرجات متفاوتة قد تصل أحيانا كما يحدث في الريف والأحياء الشعبية إلى المشاركة في البكاء والعويل والصراخ.. ثم سرعان ما يذهب كل الذين كانوا للمشاركة في العزاء إلى حال سبيلهم ليمارسوا حياتهم بكل طقوسها وتفاصيلها بما فيها أحيانا من لهو وفرح!..


وهذا ما حدث تقريبا أمس يوم الاعتراف الأمريكى عمليا بالقدس عاصمة لإسرائيل، بافتتاح سفارة أمريكية فيها، في احتفال شاركت فيه ابنة الرئيس الأمريكى ترامب، وهو ما اقترن بمذبحة إسرائيلية جديدة ضد الفلسطينيين، بلغ ضحاياها قرابة الثلاث آلاف فلسطينى ما بين شهيد وجريح..

فقد ارتفعت أصوات من هنا وهناك تندد بأمريكا وإسرائيل، وتشجب الوحشية الإسرائيلية والتأييد الأمريكى لهذه الوحشية.. وأكد كثيرون رفضهم الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولم يشاركوا في حفل افتتاح السفارة الأمريكية فيها.. وتمت الدعوة لاجتماع لمجلس الأمن، والجامعة العربية لبحث الأمر.. 

غير أن الكل سوف يذهب إلى حال سبيله مثلما يحدث في العزاءات، وينصرف للاهتمام بشواغله الخاصة، ويهتم بمشاكله، وينسى أصحاب المأساة وهم الفلسطينيين، الشعب الوحيد في العالم الذي ما زال يرزح تحت نير استعمار واحتلال وحشى فاشٍ وعنصري.. حتى العرب أشقاءهم سوف يفعلون ذلك..

أي سوف تخفت أصوات استنكاراتهم وشجبهم بمرور الوقت، ويتراجع اهتمامهـم بالقضية الفلسطينية التي يدعون أنها قضية العرب الأولى، رغم أنها لم تعد حتى قضيتهم الأخيرة.. بل إن الذين يزعجهم ذلك، وينددون به سرعان ما سوف ينسون أيضا الشعب الفلسطيني، فهم لا يفعلون شيئا سوى السخرية من العجز العربى والتنديد به، ولا يفعلون شيئا حقيقيا لدعم الشعب الفلسطيني سوى الكلام والصراخ والسباب فقط.. وأخشى القول إن ذلك ما سوف يفعله بعض الفلسطينيين الذين سيعودون للاهتمام فقط بصراعاتهم الداخلية وتمايزهم للإبقاء على انقسامهم!

وهكذا وجب القول للجميع: شكر الله سعيكم لأن العزاء سوف ينفض سريعا، ولأن العرب ومعهم بعض الفلسطينيين لا يدركون أن إسرائيل هي العدو الأول المدعوم من قبل أمريكا، وأن الصراع العربى الإسرائيلى هو صراع مفروض علينا حتى ولو أنكره أو تهرب منه البعض، وان هذا الصراع طويل وحضارى كما قال الأستاذ أحمد بهاء الدين قبل عدة عقود مضت، حتى نكسب هذا الصراع ونحقق النصر فيه يجب أن نقوى أنفسنا نحن العرب، ونصنع قوتنا بكل صورها الشاملة، في ظل مخطط أمريكى غربي يستهدف تقويض كيان الدولة الوطنية في منطقتنا العربية.. وقتها سوف يحسب الجميع حسابا لنا ولن يستهينوا بِنَا بهذا الشكل المهين الجارى الآن.

الجريدة الرسمية