رئيس التحرير
عصام كامل

الاختيار بين الحب والمناسب


عادة ما يحكمنا العقل في معظم قراراتنا أو عند الاختيار في أمور حياتنا المختلفة، لكن من الغريب أن نحكم العقل وننتظر منه أن ينصف المشاعر على العقل في علاقة عاطفية أو قرار خاص بالإحساس! بين ما هو مناسب لظروفنا ووضعنا والمحيطين بنا، ولنَختصر ونقول ما يرضي عقلنا من جهة، وبين ما يرضي مشاعرنا وعواطفنا وإحساسنا من جهة أخرى، يفقد الشخص الكثير من الطاقة والمشاعر في صراع نفسي لا يستطيع أحد أن يوصف مدى تفاعله وتخبطه أو مدى غليانه بداخل التفكير والإحساس في الوقت ذاته.


في موقف مصيري لعلاقة عاطفية بين رجل وامرأة، نجد ذلك الصراع بين المشاعر والعقل التي سينحاز السلوك للغالب منهما في النهاية، حتما ستكون الكلمة الأخيرة لما سيشعر به طرف واحد فقط بالارتياح حين اتخذ القرار، ولا يكون وفق رغبة أو رأي الآخر في العلاقة، بل يكون قرار فردي لعلاقة ثنائية.

كثير ما يكون القرار أو الاختيار جائر للآخر تحت ظرف خارج عن إرادة صاحبه أو بوعي تام لإبعاد الاختيار، لكن الأصعب حين يكون الاختيار ظالمًا للنفس، تحت اختيار مجبر للانصياع له سواء برضوخ العقل لقرار القلب دون اقتناع، أو جرح القلب بقرار العقل معلنا نهاية العلاقة.

لنضع علاقة عاطفية لرجل وامرأة تحت المجهر، ونفتش في ثنايا العقل عن منطق الاختيار بين الاستمرار أو قطع العلاقة بينهما، ولنُنبش في طيات القلب عن إدراك الإحساس لقرار عقلي يبحث عن مخرج بأقل ألم للمشاعر!

لن نجد توافقًا بدرجة كبيرة دائما بين العقل والقلب في قرارات حاسمة لعلاقة عاطفية بين اثنين، فالغلبة حتما ستكون وفق شخصية الرجل العقلانية غالبا التي ستختلف تماما حسب تكوين المرأة العاطفي المعهود في قراراتها، دون إلقاء اللوم على عقلانية الرجل، أو عاطفية المرأة.

والمفاجئ إذا تبادل الرجل والمرأة الأدوار من حيث العقلانية أو العاطفية، سيكون القرار لا يخضع لعقل أو مشاعر بل يرضخ لمنطق الظروف.

في العلاقة بين رجل وامرأة نجد ما هو منطقي وعقلاني وما هو مدرك الأبعاد، يظهر تحت مسمى "مناسب"، وبين ما يمثل العاطفة وما لا يرضخ لقانون المنطق والحسابات، يظهر بمسمى "الحب"، وبين المناسب والحب هناك هوة نفسية حتما يسقط بها أحد الطرفين "الرجل أو المرأة"، كضحية لقرار الآخر.

الأسباب كثيرة ومتعددة كي تنشأ علاقة ارتباط بين اثنين، بدءا من الإعجاب أو التعلق أو التعود أو معلنة نهاية سعيدة في شكل علاقة حب التي تكون مدخل حياة جديدة بمسمى ارتباط رسمي، قد تكون الأسباب توافقا فكريا، تناغم مشاعر، انسجام في الأفكار والآراء، إدراك تام للصفات والعيوب أيضا "إذا جاز التعبير" لكل منهما وتقبلها، احتياج نفسي للآخر.. إلخ، لكن تظل أسباب الخروج من العلاقة أو الارتباط محدودة، بل خاصة جدا وتختلف من شخص لآخر أو من رجل لامرأة، وفقا لتغلب العقل في قرار مصيري لعلاقة قامت على أساس عاطفي من البداية.

نجد تناقضات تثير الدهشة في أسباب الاختيار أو في الانفصال، على الرغم من أن نفس السبب قد يجعلنا نحب أو قد يجعلنا نبتعد!
فحين نحب نتغاضى عن فارق السن الكبير مثلا بين الرجل والمرأة، قد يصل بنا الوضع أن نعتبر فارق السن يعبر عن عمق الشخصية، أو عن تراكم الخبرات، أو حجم الحكمة، أو كم النضوج، أو اتساع الإدراك وقبول الآخر بعيوبه مثلا، هذه مبرارتنا حين نحب...

لكن التناقض لو أردنا الاختيار بمعيار ما هو مناسب، سنجد أن فارق السن يشكل عائقا في تناغم الأفكار، فلكل عمر وله مداركه وقدرة استيعابه ومدى مرونته وقدرته على التعامل باختلاف زمني بين الاثنين يحدث فجوة بين أفكارهم وسلوكهم وأسلوب حياتهم.

حين نحب نلغي منطق الاختيار لما هو يناسب أعمارنا أو طبيعة شخصياتنا أو ظروفنا، نتغاضى عن اختلافات جوهرية قد يراها من هم حولنا أن من نحبهم لا يُناسبونا، لا يتوافقوا معنا، ومن هنا تكون لحظة اختيار صادقة مع النفس بين أن نحب من نكن له مشاعر، أم نحب من هو مناسب لنا!

ولنعمق السؤال لتتسع الحيرة، هل من هو مناسب لنا يجب أن نحبه، أم من نحبه كان في الأصل مناسب لنا!

بموضوعية تامة سنجد المناسب لظروفنا، لأعمارنا، لاحتياجاتنا دائما ليس بالضرورة أن يحدث بيننا تفاعل وكيميا الحب في تناغم مشاعرها وعمق إحساسها، ليس من المنطقي نحب الشخص فقط، لأنه يناسبنا، لأن ببساطة شديدة سنحب الكثيرين ممن حولنا بنفس القياس!

من جهة أخرى، قد تكون صادمة، هل من نحبه بالضرورة أن يكون مناسبا لنا!

كم من علاقات حب وارتباط لم تبنِ على النسبية في التوافق "وإن كان ارتفاع نسبة التوافق عاملا مهما لإنجاح العلاقة"، لم تشغل عقل المحبين حين وقعوا في راحتي سعادة العلاقة، ما هو مناسب في الآخر معهم أو غير مناسب، لم يلتفتوا لنقاط الاختلاف لكنهم اهتموا لشدة الإحساس بينهم، لم يزعجهم عدم مناسبة الآخر لهم سواء في التفكير أو العمر أو الميول بمختلف جوانبه.

هناك سخرية قدر المحبين حين نجدهم أحيانا يعجبون أو يعشقون من يخالفهم في ميولهم، آرائهم، سلوكهم.. إلخ، أي من هو غير مناسب لهم، لاحتياجهم للتنوع في الحياة، فمثلا الرجل الهادئ الطبع يعجب ويحب بالمرأة الشقية كما يصفها، والمرأة العقلانية تميل أكثر للرجل المجازف أو المغامر، بقاعدة تخص المحبين أن الآخر المختلف مكمل لشخصياتنا ويثري الحياة بالتنوع ويقتل الملل، ولا ننكر أن الكثيرين يبحثون دائما عن من يناسبهم في معظم ما سبق ذكره، لضمان الهدوء النفسي وعدم الدخول في صراعات أو اختلافات فكرية وسلوكية.. إلخ

حين نحب تكون سطوة القلب على العقل في الاختيار، ولا نرى نقاط الاختلاف، بل نراها نقاط جذب ووفاق، فيكون هدف القلب الوحيد في الارتباط ضمان وجود السعادة، وحين يختار العقل بكامل سلطته على القلب يكون الاختيار بمعيار المناسب لنا لضمان حياة كريمة بمختلف جوانبها المادية بعيدة كل البعد عن راحة القلب وسعادته، بعيدة عن العاطفة التي هي في الأصل حجر أساس العلاقة!

فالرضوخ للحب إرضاء للقلب، يبعث السعادة في الحياة، والانصياع لما يناسبنا امتثالا للعقل، يذلل الحياة دون إمتاع الروح فيها.. فلنختار بين الحياة وما يمتعنا فيها، في النهاية سنعرف أن المناسب دائما هو الحب.
الجريدة الرسمية