رئيس التحرير
عصام كامل

أعد الحق لأهله سيادة الرئيس!


يسمع الرئيس في أي دولة في العالم أنات الناس الذين اختاروه بملء إرادتهم، بل ويسمع دقات قلوبهم فرحا أو غضبا، وتتم المتابعة التشخيصية للحالة النفسية والفكرية والسياسية تجاه مؤسسة الحكم عبر آليات وأدوات كثيرة متوازية ومتقاطعة، تصب كل ما توافر لديها من معلومات تحت عيني الرئاسة.


هذه التقارير مهمة بالقطع، ولها دلالاتها التحذيرية عادة، لكن الأهم منها بالطبع عاملان أو متغيران رئيسيان، دونهما لا قيمة لها: الأول، مدى قدرة الرئيس على القراءة الصحيحة للمعلومات، واستشعار ما وراءها وتداعياتها المحتملة، ويرتبط بذلك أوثق الارتباط الإدراك العاطفي للحالة المجتمعية الواردة إليه في تقارير المعلومات.

المتغير الثاني المهم، هو الاستجابة السريعة دون إبطاء، لأن التأخير ينطوي على إشارات تجعل الرأي العام في غليان أو قابل للتهييج.

وفي الأسبوعين الماضيين استقبل المصريون رد فعل مغايرا من الرئيس لم يتعودوا عليه، لأنه قدم لهم وجها مختلفا من وجوه الأداء السياسي، خلا من طبع الحنية التي كانت ممتدة ومتصلة بين رئيس سريع الدموع وقلوب ملايين أحبته وتحبه، لكنها لا تزال متعجبة من موافقته على معاشات لا يستحقها وزير فاشل، يخرج من الوزارة ليجد في انتظاره مكافأة على فشله، قدرها ٣٢ ألف جنيه، وربما خدم شهرا أو عاما أو عامين، وغيره من كبار وصغار الموظفين والصحفيين أفنوا أعمارهم وخرجوا على معاش مهين مذل مؤلم، دونه راتب خادمة في بيت! بالعقل والمنطق، كيف يوافق السيد الرئيس على هذا الصرف غير المستحق، ومن أقنع السيد الرئيس أن هذا حق وهذا عدل؟

لم نحزن ولم نحقد ولن يحدث، أن الوزير والمحافظين ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان يحصلون على صافي يبلغ ٤٥ ألفا.

الوظيفة والمكانة والأعباء والتفرغ يبررون هذا المبلغ، لكن لا يوجد في القانون أبدا ما يبرر حصولهم على ٣٢ ألف جنيه معاشا نظير خدمة سنوات معدودة أو أشهر قليلة.

كان العشم العام ألا يوافق الرئيس السيسي على المعاشات الوزارية الديناصورية بالنسبة للمعاشات الفأرية والفقرية لملايين الموظفين الذين يمدون أياديهم لأبنائهم، لاستكمال العلاج أو المعايش! كان المصري يدعو ربه دوما "ربنا ما يحوجني لأولادي، ويجعلني أنا اللي أعطيهم"! العكس يحدث، والمصيبة أن الأولاد أنفسهم ربما كانوا في عوز وعليهم أعباء اجتماعية قاصمة!

أي وزير الآن مطمئن أنه حاصل على المبلغ الذي يؤمن له بقية حياته، سواء فشل أو نجح في العمل العام، يعرف الرئيس بالطبع وبالقطع أن وزيرة في حكومته هي غادة والي طعنت أمام محكمة غير مختصة كيدا في أصحاب المعاشات وإيقافًا لحكم نهائي يقضي بخمس علاوات مستحقة كانت ستعدل حياتهم، وفرحوا بعد صبر، لكن الحكومة التي وافقت على إجراء غادة والي هي ذاتها التي وافقت على زيادة معاشات وزرائها، الفاشل منهم والناجح، وحظي القانون بموافقة البرلمان، وفيه مرتب مقرر ومعاش مقرر للسيد عبد العال رئيس البرلمان محطم اللغة العربية وقاتلها جهلا ومباهاة!

منظركم أمام الشعب أنكم اقتسمتم الكعكة معا! وحسنا نحن ننظر فيها بعين غير راضية، لأنها قسمة لا يرضاها الله، وسيُراجع الرئيس نفسه، ولن يرضى بظلم أصحاب المعاشات الذين يعانون أشد المعاناة، وتضاعفت المعاناة بعد وقوع المقارنة بغيرهم ممن لم يعمل إلا شهورا أو سنوات معدودات!

لا يزال الناس متعجبين من مبررات التصديق الرئاسي، ويراهنون على ضمير السيد الرئيس وحكمته وطيبة قلبه وذكائه العاطفي والسياسي، وإحساسه بأهله الذين يحبونه ويقدرون له شجاعته وحفظه لوطنه ويرجون من الله أنه لا يزال قادرا على سماع أنات الموتى من أصحاب المعاشات في نهاية العمر، أعد الحق لأهله سيادة الرئيس، صديقك من صدقك.
الجريدة الرسمية