رئيس التحرير
عصام كامل

جنرالات بلا جنود !!


تراودنى منذ فترة طويلة فكرة الكتابة عن ذلك النوع من البشر الذين نلتقى بهم بشكل دائم في مجال العمل السياسي داخل مجتمعاتنا العربية، وغالبيتهم ينتمى إلى الأحزاب العربية التي لا تمتلك أي شعبية أو جماهيرية داخل مجتمعاتها، فغالبية الأحزاب العربية التي تواجدت قبل موجة الربيع العربي المزعوم خاصة التي تنعت نفسها بالمعارضة عبارة عن مقر مكون من عدد قليل من الحجرات، وعدد قليل من الأعضاء الذين يتنافسون على مواقع القيادة. 


وفى أحيان كثيرة يتحول التنافس إلى نزاع وصراع ينتج معه مزيد من الانشقاق والتقسيم والتفتيت، وبالطبع هناك عدد قليل منهم لم ينتم لأحزاب لكنهم ينتمون إلى النخبة العربية في عمومها وعندما هبت رياح الربيع المزعوم برزت صورهم في المشهد السياسي الذي لم يقتربوا منه يوما.

ويمكننا القول إن الحالة السياسية داخل المجتمعات العربية لم تكن على ما يرام قبل انطلاق ذلك الربيع المزعوم، فغالبية النظم السياسية العربية كانت تفتقد إلى أدنى قواعد الديمقراطية، وكانت فكرة التعددية السياسية عبارة عن شكل أو ديكور لدى غالبية النظم التي حاولت تطبيقها، لذلك كانت رموز المعارضة عبارة عن جنرالات بلا جنود تجدهم يبرزون في المشهد السياسي ويتحدثون لوسائل إعلامهم الحزبية محدودة التوزيع على أنهم سيغيرون خريطة الوطن، وأنهم قادرون على صناعة المستقبل، ويمتلكون كل مفاتيح تحويل المجتمع إلى حالة الرفاهية.

في الوقت الذي لا تسمعهم الجماهير الشعبية، فهم يوجهون رسائلهم السياسية لعدد محدود من أنصارهم، وليس إلى جموع المواطنين داخل مجتمعاتهم، وسواء كان ذلك بفعل فاعل أو بفعل قدراتهم المحدودة على الحركة والتأثير فإنهم قد تحولوا إلى ما يمكن أن نطلق عليه ظاهرة صوتية ليس أكثر.

وعندما هبت رياح الربيع العربي المزعوم كانت العديد من الظواهر الصوتية داخل مجتمعاتنا العربية والتي تنتمى إلى الأحزاب السياسية الديكورية التي تنعت نفسها بالمعارضة جاهزة لتصدر المشهد، وطرحت نفسها بديلا للأنظمة السياسية التي تهاوت خلال أيام من اندلاع الأحداث، وحاول بعضهم عرض نفسه على الشعب الذي لم يكن يعرفهم في الوقت الذي سعى بعض أعضاء النخبة ومعهم القوى السياسية المتأسلمة لعرض أنفسهم مباشرة على قائد المؤامرة ومنسقها ومنظمها ألا وهو السيد الأمريكى.

وبالفعل خسرت قيادات الأحزاب السياسية الديكورية السباق مبكرا فهم جنرالات بلا جنود، ليس لديهم أي شعبية أو جماهيرية، بل هم ظاهرة صوتية تتحدث في نطاق محدود للغاية، وأصبحت المفاضلة عند السيد الأمريكى بين بعض رموز النخبة المنفصلين عن الجماهير والذين يدخلون في زمرة الجنرالات بل جنود وبين القوى السياسية المتأسلمة..

فكان خيار السيد الأمريكى هو الاعتماد على هذه القوى التي استطاعت أن تفرض سيطرتها وهيمنتها على بعض الجماهير الشعبية في بعض المجتمعات العربية -التي فشلت أنظمتها في تحقيق تنمية مستقلة وعدالة اجتماعية بين مواطنيها- عبر خطابها الدينى المدغدغ للمشاعر من ناحية وعبر مجموعة من الخدمات التي عجزت الحكومات عن توفيرها للمواطنين الفقراء من ناحية أخرى.

وفى الوقت الذي تمكن العدو الأمريكى من فرض أدواته التكفيرية على قمة السلطة في بعض المجتمعات العربية -حتى ولو بشكل مؤقت- كما حدث في مصر وتونس، وإشاعة الفوضى كمقدمة للتقسيم والتفتيت كما حدث في ليبيا واليمن، فإن الحالة السورية ظلت عصية على العدو الأمريكى فلم تنجح الأدوات التكفيرية عبر خطابها المدغدغ للمشاعر في كسب مؤيدين داخل المجتمع نظرا للنسيج الاجتماعي المتماسك الذي ينبذ الطائفية ولا يعتمد على الخطاب الدينى المتطرف بقدر اعتماده على التسامح والتعايش والمواطنة، وبالطبع فشلت آلية تقديم الخدمات ذلك لأن الدولة السورية استطاعت أن تقدم مشروع تنموي مستقل مكنها من تحقيق قدر كبير من الاكتفاء الذاتى والعدالة الاجتماعية.

لذلك لم يجد العدو الأمريكى غير بعض الشخصيات التي تنتمى إلى ما يمكن وصفهم بالنخبة في المجتمع السورى، وغالبيتهم لم يكن له سابق عمل في المجال السياسي، وبعضهم لم يكن مقيم أصلا داخل سورية، والذين كانوا يعيشون منهم داخل سورية فروا هاربين إلى عواصم الدول التي تشارك في المؤامرة والحرب الكونية على سورية.

وهذه الشخصيات الخائنة والعميلة التي تعمل في خدمة سيدها الأمريكى شكلت ما يطلق عليه المعارضة السورية، وشكلت كيانات ومنصات وهمية، وحاول العدو الأمريكى وحلفاؤه فرضهم على طاولة المفاوضات كبديل للحكومة العربية السورية الشرعية، وتوهم بعض هؤلاء الخونة والعملاء أنهم يمكن أن يحلوا محل الرئيس بشار الأسد، لكن هيهات أن تتحقق أوهامهم فالواقع يقول أنهم جنرالات بل جنود، ولن يتمكن العدو الأمريكى من فرضهم على الشعب العربي السورى الصامد خلف جيشه وقائده، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية