رئيس التحرير
عصام كامل

كيف تصبح مثقفا حداثيا تنويريا مهلبيا!


قد يبدو هذا الموضوع على قدر ضئيل من الأهمية، قياسا بما نحن مقبلون عليه من تغيير شكل التعليم، إذ فجأة من قبل وزير التعليم وبعض رجاله، أو كارثة سد النهضة وشح المياه.. ربما يظن البعض أن هذا الموضوع لا يستحق إفراد مقال كامل له، خاصة إن كان الكاتب غير مصنف ككاتب إسلامي أو حتى تراثي، لكنني أرى وأعتقد أن هذا الموضوع، الخاص بإلغاء دعاء السفر أو (تخفيض) صوته، كما وضحت شركة الطيران الوطنية لاحقا.. هو أمر جد خطير للأسباب التالية:


أولا، أذاع بعض الخبثاء أن السبب وراء ذلك هم بعض أو ثلة قليلة من المواطنين المصريين المسيحيين، أرفض تسميتهم وحدهم بالأقباط، تمييزا أراه سلبيا وخبيثا، فنحن جميعا أقباط أي مصريون ننتمى لهذا البلد العظيم العريق، وبالقطع من شأن هذا الحديث المغرض أن يؤجج فتننا نحن في أمس الحاجة للابتعاد عنها والتوحد خلف هدف واحد هو مصر دولة واحدة وشعب واحد، لذا فنشر هذا الكلام وانتشاره على وسائل التواصل الاجتماعي أراه خطرا شديدا وشرا مستطيرا ونذير شؤم أجارنا الله جميعا منه.

ثانيا، تهليل البعض لهذا القرار هو بمثابة إذكاء لنار الفتنة والانقسام، ويفتخر بذلك ثلة وضيعة من غلاة المتطرفين من اللادينيين، الذين يمتازون بجُبن وخسة تمنعهم من إعلان إلحادهم أو إنهاء علاقتهم الوراثية بالدين خاصة الإسلام، تخيل أن أحد الكتاب الذي يعمل في مهنة أخرى نسيها وابتعد عنها، سعيا وراء هدف واحد وهو التسفيه من أي شعيرة دينية، قد جعل من (دعاء السفر) قضية ومحورا لكثير من مقالاته وبرامجه في إحدى الفضائيات!

ثالثا: هل وجود دعاء لمدة دقيقة يمكن أن يؤذي الآخر وينغص عليه حياته ويطبعه بثقافة مغايرة ومعادية للقيم الإنسانية المشتركة!

رابعا: هل وجود الخمور مثلا في الطائرة، وتقديمها لمن يشاء يمكن أن يتسبب في جرح مشاعر المسلمين.. وأنا شخصيا أتقزز منها لكن لا أستطيع المطالبة بمنعها، كل ما أستطيعه هو أن أحجز على شركة أخرى لا تقدمها إن كانت تلك قضية وأزمة نفسية لي!

لكنها يا صديقي القارئ الموضة في زمن الباطل!

فمن أجل أن تظهر كمثقف وليبرالي متحرر أنتقد أي فكرة إسلامية حتى ولو كانت تراثية، وأنحاز دوما لأصحاب الديانات الأخرى حتى ولو كانت غير سماوية وضعية، مقابل ما هو مفترض أنه دينك، وفي الأعياد الإسلامية تهكم على الشعائر المقدسة كالحج مثلا، أو اللمز في الصيام واعتبره طقسا رجعيا متخلفا (ميتا- إنساني) تجاوزه الزمن والحداثة، وفي المقابل تظهر تسامحك مع أصحاب الأديان الأخرى وكرر منشورات التهاني والمباركة في أعيادهم، وألصق بهم كل ما هو جميل ومتسامح وراق على عكس دينك..

ثم أتحفنا بعد ذلك بعدة كلمات صوفية متفرقة لجلال الدين الرومي مثلا لتثبت لأهلك وبعض أصحابك أنك ما زلت مؤمنا مسلما.. بالبلدي ماسك العصاية من المنتصف أو على رأي إحدى الفنانات الفاضلات في أحد الأفلام (يا ختشي كده ينفع وكده ينفع).. ونتيجة ذلك سيكون لك برنامج فضائي بمبلغ محترم، وعمود صحفي في جريدة أو موقع وستصبح الدكتور التنويري المثقف الكبير عدو الظلام والرجعية!
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية