رئيس التحرير
عصام كامل

جمال حمدان.. العباقرة لا يموتون


25 عامًا لم تكفِ لنسيان مُنجزات العالم المصرىِّ الدكتور "جمال حمدان" في الجغرافيا والتاريخ والتنظير السياسي واستشراف المستقبل. غادر "حمدانُ"، الذي عاش بين عامى 1928 – 1993، دُنيانا غدرًا قبلَ رُبع قرنٍ بجسدِه، ولكن لا تزالُ كتبُه وأبحاثه ومقالاته شاهدة على عبقريته الفذَّة والاستثنائية التي لا تتكررُ كثيرًا، فالعباقرة لا يموتون.


وبعيدًا عنْ مؤلفاتِه الإبداعيةِ في الجُغرافيا، باعتبارِه أحدَ أعلامِها العِظام، وبعيدًا عن تراثه الذي بلغ 29 كتابًا و79 بحثًا، وبعيدًا عنْ طبيعةِ الحياة الخشنةِ التي فرضَها على نفسِه في مسكنِه بمنطقة "الدقى" بالجيزة، وبعيدًا عنْ المناصبِ الرفيعةِ التي زهدَها وتركَها، عنْ طيبِ خاطرٍ، للمُتكالبينَ والمُشتاقينَ الذين يتساوى حضورُهم مع غيابِهم.. نتوقفُ قليلًا مع قناعتِه بأنَّ "المسلمينَ تحولوا إلى عبءٍ ثقيلٍ على الإسلام، وأصبحوا معاولَ هدمٍ للدينِ الخاتم".

في مذكراته الخاصَّةِ التي نشرَها شقيقه يقولُ "حمدانُ": "العالمُ الإسلامىُّ حقيقة جُغرافية، ولكنه خُرافة سياسية.. والمسلمون أصبحوا عبئَا على الإسلامِ بعدَ أنْ كانَ الإسلامُ عونًا للمسلمينَ".. وفى توصيفه لمصطلح "الإسلامُ السياسىُّ"، اعتبرَ صاحبُ "وصف مصر"، "الإسلامَ السياسىَّ" تعبيرًا عن "مرضٍ نفسىٍّ وعقلىٍّ"، مؤكدًا أنه "لو كانَ لدى الإسلامِ السياسىِّ ذرةُ إحساسٍ بالواقعٍ المتدنى المُتحجر لانتحرَ"، كما اعتبرَ الجماعاتِ المتشددة "وباءً دوريًا يصيبُ العالمَ الإسلامىَّ في فتراتِ الضعفِ السياسىِّ".

اقتنع "حمدان" بأن "هدف الإسلاميين الإرهابيين هو حُكم الجهلِ للعلم"، وأنهم ليس لديهم ما يخسرونه، فإما أنْ يضعَهم المجتمعُ في مكانةٍ مقبولةٍ، ترضى غرورَهم، أو فليذهبْ الجميعُ إلى الجحيم تحتَ ستارِ الدين"، وكانت حكمته البليغة أنه "يجبُ شنقُ آخرِ عضوِ بالجماعاتِ الإسلامية بأمعاءِ آخرِ إسرائيلىِّ في فلسطين"، وهو ما لم يحدثْ بعدُ.

ولعلَّ الواقعَ الأليمَ الذي شهدتْه مصرُ في السنواتِ الأخيرة في حربها مع الإرهاب، يؤكد أنَّ الراحلَ كان ذا نظرةٍ ثاقبة، فلا تزالُ جماعاتُ "الإسلام السياسي" تشيعُ الخرابَ والقتلَ في مصرَ، ولا يزالُ الجيشُ المصرىُّ يخوض حربًا ضروسًا ضدَّ أهلِ الشرِّ ممنْ يتمسحونَ بالإسلام الذي يدعو إلى الحياةِ والسلامِ وليسَ إراقة الدماء ونحرَ الرءوس.. أمَّا أنتَ يا "حمدانُ".. فسلامًا عليك في حياتِك وفى موتِك.. وإن كنتُ أظنُّ أنَّ العباقرة منْ أمثالِك لا يموتون..

الجريدة الرسمية