رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء جمال كحيلة: نصر أكتوبر «معجزة».. وبسالة المقاتل المصري سر قهر العدو

فيتو


عيد تحرير سيناء الـ36 هو اليوم الموافق 25 أبريل من كل عام، وهو اليوم الذي استردت فيه مصر أرض سيناء، بعد انسحاب آخر جندي إسرائيلي منها، وفقا لمعاهدة كامب ديفيد التي تلت ملحمة حرب أكتوبر المجيدة التي سطر فيها جنود وضباط الجيش المصري أروع البطولات، وروت دماؤهم الزكية أرض الوطن، ورغم مرور كل هذه السنوات إلا أن هذا النصر المؤزر على الكيان الإسرائيلي الذي اغتصب أرض سيناء لا يزال يكتنفه العديد من الأسرار والتفاصيل المثيرة التي تتكشف يوما بعد آخر.

على جبهة القتال أرضا وبحرا وجوا كان هناك آلاف من القادة والضباط والجنود الذين يحملون أسرارا وذكريات عديدة في ملفاتهم الخاصة عن وقائع أيام الحرب، محاربون كبار أدوا واجبهم على الوجه الأمثل، ولقنوا إسرائيل درسا لن تنساه مهما حاولت أن تقلل من هذا النصر الكبير، ولم لا وقد احتفظ كل من هؤلاء الأبطال العظام بتفاصيل خاصة جدا عن الساعات الأولى للحرب وما تلاها.

وبهذه المناسبة قال اللواء البطل جمال كحيلة أحد أبطال سلاح المشاة في حرب السادس من أكتوبر: إن هناك العديد من العوامل التي ساعدت في صناعة النصر بأكتوبر، أهمها المقاتل المصري فهو المعجزة الحقيقية لتحقيق هذا الانتصار العظيم، فقد استطاع بعقيدته وإيمانه بالله وعزيمته وإصراره استرداد الأرض، وطرد العدو، وإلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي بأسلحته الحديثة المتطورة، مشيرا إلى أن تلك العوامل ساهمت في تدمير خط بارليف، الذي عكفت إسرائيل لمدة 6 سنوات على تدعيمه بأحدث تكنولوجيا في العالم، ليكون المانع الكبير أمام أي مصري يحاول الاقتراب من القناة، فيتحول في لحظات إلى أخدود من اللهب يصهر أي شيء داخل مياه قناة السويس.

وأوضح كحيلة أن المصريين أبناء حضارة عريقة تمتد لـ7 آلاف سنة استطاعوا تحويل انكسارهم وهزيمتهم إلى نصر عظيم.. وإلى نص الحوار:

 كيف كان التحاقك بالقوات المسلحة؟
تخرجت في كلية الزراعة، ومثل العديد من زملائي قررنا الالتحاق بالكلية الحربية لخدمة البلد بعد هزيمة 67، فلا يجب أن يكون هناك شباب يحارب ويستشهد على جبهة القتال، بينما نتفرغ نحن للقيام بأعمال مدنية، فتحرير الأرض مسئولية كل شاب قادر على حمل السلاح، هذا الشعور كان ينتاب كل شباب جيلي وقتها، وقد تخرجت في الكلية الحربية عام 1970، والتحقت بقوات الدفاع الجوي وبدأت مشواري مع الجيش لإزالة آثار هزيمة 67 واسترداد الأرض، ولا يتخيل أحد التدريبات الشاقة للضباط والجنود طوال حرب الاستنزاف، والاستعداد والتخطيط من خلال المناورات والتدريبات الحية على مسرح عمليات يشبه تماما أرض المعركة المنتظرة، من أجل استعادة سيناء، وتم تعييني وقتها "ملازم أول" كقائد سرية المدافع المضادة للدبابات في القطاع الشمالي لقناة السويس، إحدى الوحدات الفرعية لفرقة 18 مشاة.

حدثنا عن المهمة التي كلفت بها في حرب أكتوبر؟
في الحقيقة لم أعرف بميعاد العبور وساعة الصفر إلا قبلها بـ120 دقيقة فقط، فتم جمع قادة السرايا، وكنت واحدا منهم في قيادة اللواء الذي قال لنا مباشرة: "حانت اللحظة يا أبطال" وساعة الصفر التي كنا في انتظارها كل هذه السنوات أوشكت، ولم أدر ينفسي وقتها من شدة الفرحة والدموع التي كانت تنهمر وكأن الجنة تفتح أبوابها أمامنا"، وكانت مهمتنا في حرب 73 العبور إلى شرق القناة، والاستيلاء على رأس الكوبري بعمق يصل إلى 10 كيلو مترات، لصد العدو دون العودة مرة أخرى لقناة السويس، وقنص الدبابات لإخلاء الطريق أمام جنود سلاح الـ"آر بي جيه" التي ستعبر في الموجة الثانية للعبور، وتحييد قوات العدو الأرضية من مهاجمتهم.

بدأنا بالفعل في تنفيذ التعليمات واجتياز الصعوبات التي كانت تواجهنا، حيث كنا 8 أفراد، ولدينا 10 مدافع يتراوح وزنها ما بين 75 إلى 305 كجم، بالإضافة إلى 450 صندوق ذخيرة يزن الواحد منها 45 كجم، حيث تم تقسيم الأفراد إلى مجموعات تحمل المدافع على القوارب المطاطية ثم حملها أعلى الساتر الرملي على سلالم الحبال لنبدأ التعامل مع قوات العدو واقتناص الدبابات، ونجحنا بفضل الله في اليوم الأولفي إنجاز مهمتنا، وفي اليومين الثاني والثالث، تمكنا من العبور إلى شرق القناة، والاستيلاء على رأس الكوبري، ورفعنا العلم المصري عاليًا".

حدثنا عن شعورك أنت والجنود عندما تمكنت من العبور للضفة الشرقية؟
لا أستطيع حقيقة.. وصف المشهد بالكلمات أبدا، لأن المشهد كان عظيما للغاية، القادة والضباط والجنود الكل يتسابق لنيل الشهادة.. وهتاف"الله أكبر.. ألله أكبر" يهز ويزلزل أرض المعركة، ويبث الرعب في قلب العدو، لأنها كانت تخرج من القلوب، وليست من الحناجر.. نقتحم النيران في قوة وشجاعة.. لا نعبأ بالرصاص الذي يحيطنا.. النصر أو الشهادة أمام أعيننا.. المصابون يواجهون الدبابات بأجسادهم حاملين أسلحتهم.. فعلا إنها العقيدة والإيمان الذين قهروا المستحيل "فهل يستطيع أحد وصف مدافع مداها 400-600 متر تواجه دبابات العدو التي يصل مداها إلى 3 كيلو مترات وتصيبها بالكامل.

ما أهم المناطق التي ساعدت أنت وجنودك على تحريرها؟
كانت أهم مهمة هي تحرير منطقة القنطرة وكنت ضمن العديد من المجموعات التي عبرت من نفس مكان عبورنا، وحققنا الهدف الموكل إلينا، ورفعنا علم مصر على منطقة القنطرة يوم 8 أكتوبر، وكانت هذه أول مدينة تم تحريرها بعد العبور، وأرى أن ما يحدث الآن في سيناء امتداد لحرب أكتوبر المجيدة، حيث يواجه أبطال الجيش والشرطة هذا العدو المستتر والمتخفي بين الناس بكل شجاعة وبطولة، رافعين شعار النصر أو الشهادة، من أجل مصر حرة مستقلة خالية من الإرهاب، فما يفعلونه الآن يذكرنا بالعبور، ولكن هناك فوارق كثيرة كانت سبب تفوقنا، فقد كان الشعب كله وراء قواته المسلحة، أما الآن فهناك من ينتقد عمل الأمن في سيناء، ولا يعلم أن ما يحدث الآن أصعب بكثير من مواجهتنا لإسرائيل في حرب الاستنزاف وحرب 73.

الجريدة الرسمية