رئيس التحرير
عصام كامل

حاذى يا أستاذ!


نزلت فور رفع أذان الجمعة إلى المسجد المجاور لمقر عملي، في ذلك الحي الراقي، كان المسجد مزدحما عن آخره بالمصلين، وجدته جالسا مستندا إلى عامود داخل المسجد، مادا قدميه عن آخرهما، شاغلا مكانا ربما يتسع لاثنين من المصلين، لا يجدان مكانا، واضطرا إلى الصلاة خارج المسجد، بعد أن رفض هذا الرجل ضم قدميه، والإفساح لهما في سلوك غريب منافٍ للذوق.


هناك أيضا هواة تنظيم الصفوف في صلاة الجمعة، فيقف أحدهم في مكانه الذي اختاره في المسجد، وغالبا ما يكون مكانا متميزا، يرقب الوافدين للصلاة، هذا يضع حذاءه هنا، وهذا يذهب للوضوء، يدخل الإمام في الصلاة، إلا أن هذا الرجل كان مشغولا بأمر آخر، ينظر يمينا ويسارا، قائلا في نبرات خافتة: "انت تعالى هنا، وانت اطلع قدام، نت حاذى في الصف يابركة".

وحالما يتفرغ "البركة" مسئول صفوف المسجد من عمله، يكون الإمام قد دخل في الركوع، بينما هو ما لبث أن بدأ صلاته!

هذا الرجل يغضب كثيرا، وربما تتولد لديه كل طاقات الكراهية لى، إذا تقدم إصبع قدمى على الآخر مقدار أنملة، وإذا خالفت أوامره الصارمة الحازمة، في الانتظام التام إلى قدم من بجوارى، وربما انصاع إلى أوامره وتعليماته خوفا وجبرا، لأننى حاولت أن أخالف أمره سابقا، فنهرنى خارج المسجد قائلا: "أنت مش بتسمع كلامى ليه، انت بتعاندنى ليه؟".

هو متفرغ للناس وللمراءة عليهم "من الرياء"، وليس لله، فماذا لو دخل إلى صلاته، وترك الناس إلى حالها، يدعى الإيمان والورع ويوزع النفحات، وعقب فراغه من الصلاة، يخرج إلى المقهى ويطلب شيشته، ويمازح أصدقاءه، وهو يسب لهم بأبشع الألفاظ! 

هناك أيضا من يحبون اصطحاب أطفالهم إلى المسجد، وهو أمر حميد بلا شك من باب تعويد الطفل على ارتياد المسجد، ولكن أن يكون هذا الطفل يرتدى "البامبرز"، ولا يعى أين هو أو ماذا يفعل، وبل ويتركه والده ينطلق بين الصفوف، عابثا برقاب المصلين، شاغلا إياهم عن صلاتهم، وربما يصارع طفل آخر في المسجد، ويلعبان سويا "الاستغماية"!، بينما المهم هنا أن هذا الأب الملتزم اصطحب طفله المسجد من أجل أن "يرازى في الناس"، ونسي أو تناسي أن طفله، لا يفقه أو يعي من أمور الدنيا أو الدين شيئا.

هناك أيضا من يفرغ من صلاته والتسبيح والدعاء داخل المسجد، ثم يسارع ملهوفا خارجه، وهو على بابه، مبادرا بإشعال سيجارته، في حميمية بالغة واشتياق عنيف، وكأنه يكمل بها تسابيحه وأذكاره!

أذكر في يناير من العام 2016، قرأت عن حادث أصيب فيه 18 شخصا بمحافظة بنى سويف، في مشاجرة عنيفة، بعد خلاف نسب بينهم، على أسبقية الوقوف في الصف الأول في الصلاة!

الهوة شاسعة الآن والمسافة بعيدة بين تعاليم الإسلام العظيمة السمحة البسيطة، وبين أفعال قطاع كبير من المسلمين، وخاصة في مجال الأخلاق والسلوكيات والتعامل مع الناس، فنجد بعضهم ملتزما بخلق الإسلام "ظاهرا" أمام الناس فقط، لكنه سيئ الخلق، في المنزل، مع والديه، ومع إخوته وأقاربه، سيئ الخلق في عمله، وفي أي مكان، وإذا عامل الناس عاملهم بشدة، وعدم سماحة، وعدم لين.

إن حسن الخلق أمر لا بد منه من أجل التقرب إلى الله تعالى، ولا بد منه كذلك من أجل القرب إلى الناس.

فضلا وبعد إذنك، عزيزي منظم الصفوف، عزيزي مالك المسجد بقدميك، عزيزى أبو الرضيع، مهمتك الخشوع والعبادة، وترك الآخرين يفعلون مثلك في هدوء دون صخب أو شوشرة، وليست مهمتك الناس مطلقا، فقط، اتركهم لحالهم، فكل موكول إلى ربه.
الجريدة الرسمية