رئيس التحرير
عصام كامل

الزوجة العامة


ليس هناك خطأ في العنوان وقد فعلتها الكونغو وسوف تقوم بتقنين التعدد للمرأة بسبب زيادة أعداد الرجال عن النساء، مما تسبب في مشكلات كثيرة أبسطها الخيانة بمفهومنا، أو التعدد بمفهومهم، وقد تفهم البرلمان المشكلة فأباح التعدد للنساء، ولم يحسم بعد كم من الرجال يمكن للمرأة الارتباط بهم لتصبح المرأة زوجة عامة على طريقة الشركات ذات الملكيات العامة..


وربما يتعجب البعض ويرفض ومعه الحق ولكن هناك مجتمعات كثيرة تُمارس هذا التعدد إما بالقانون أو بالفطرة غير السوية، وخاصة في المجتمعات الأفريقية التي نجهل عنها الكثير، بينما لا يستغرب الغرب تلك الظاهرة لأنهم اقتربوا منها ودرسوها، حيث يسافر الرجال بحثًا عن قوت العائلة ويبقى رجل آخر في البيت مع الزوجة حتى يعود الآخر فيغادر الأول.. وهكذا يتناوبون على المهام بينما تقوم الزوجة برعاية الأبناء الذين ينتسبون لها وليس للأب..

لأنها غير متأكدة من أي رجل حملت، ولأن تلك ثقافتهم لم يجدوا أي منغصات؛ لأنه كان من المستحيل تطبيق هذا القانون إن لم يكن هذا العرف موجودًا ويتقبله المجتمع أو القبيلة حتى لو كان ضد الفطرة السوية وللأسف وجد هذا التعدد ما يبرره من دعاة الغرب بأنه دليل على التنوع في الثقافات والعادات، بل هناك من يشجعه بمنطق أن الإمبريالية تسعى لفرض هيمنتها بنمط واحد من الثقافة على العالم كله، ولهذا وجدنا من يروج لصناعة الجنس والشذوذ مما أدى إلى شيوع ظواهر التحرش والاغتصاب والإدمان والانتحار والعزلة.

والأغرب أن تلك المجتمعات تستغرب جدًا مسألة التعدد للرجل عندنا، وكما تشعر المرأة عندنا بالانكسار عندما تصبح الزوجة الثانية أو الثالثة أيضًا يشعر الرجل هناك بإحساس المرأة عندنا، مما يعني أن الأفكار نسبية وإن الإنسان ابن بيئته فإنك إن وضعت مولودًا في زريبة حيوانات وانتشلته بعد سنوات بالتأكيد سيكون سلوكه كالحيوانات.

وكانت تلك الظاهرة قد لفتت أنظار هوليود وأنتجت فيلم مملكة النساء، حيث تعيش الجزيرة بلا رجل كلها من النساء من الملكة للخادمة حتى يأتي إليهم رجل بالخطأ، وبعد مشاحنات وصراعات بينهن يتوج الرجل الغريب ملكًا عليهن، وهناك العكس في بلاد وقرى تقل النساء فيها عن الرجال، ولكن بلا تعدد، ولهذا اخترعوا أنماطًا جديدة للعلاقات الإنسانية مثل الأم السنجل والمساكنة والصداقة والعيش بين الرجل والمرأة بدون زواج تمردًا على الأديان وتشريعاتها وبعيدًا عن مفاهيم الحلال والحرام والجنة والنار والرباط المقدس والعائلة..

وأرجو ألا يستغرب البعض من ذلك فقد نجحت المجتمعات المحافظة في تقنين السلوك الغريب بابتكار الزواج العرفي والمتعة والمسيار والهبة والزواج المدني، وقد أظهر الربيع العربي المآسي في المفاهيم بعد تشريد النساء وإقبال البعض عليهن بصيغ أقرب للعبودية والرق منها للزواج، وقد كان التعدد للمرأة موجود في الجاهلية قبل الإسلام، وهو ما أخبرت به السيدة عائشة رضي الله عنها بأن الرهط ما دون العشرة من الرجال يدخلون كلهم على المرأة يصيبونها، فإذا حملت ووضعت أرسلت إليهم حتى يجتمعوا عندها وتقول هذا ولدك يا فلان وتلحقه بمن تحب ولا يستطيع أن يمتنع.

وحتى في الهند بلد الديانات والمعتقدات واللغات المتعددة لا يزال هناك من تتزوج الأخ الأكبر في العائلة، وبعد ذلك تصبح زوجة لإخوانه الأصغر سنًا، على أن يتساوى جميع الأشقاء في اقتسام تلك المرأة بدون امتيازات لأحد على الآخر.. وبالطبع لا تعرف المرأة هناك هوية والد أطفالها وإن كانت بعضهن تفخر بكونها زوجة لجميع الأشقاء، لأنها تنال رعايتهم جميعًا.. والظاهرة ليست بالهند فقط ولكنها في التبت أيضًا والقطب الشمالي الكندي والأجزاء الشمالية من النيبال ونيجيريا في بوتان وبعض مقاطعات الصين مثل سيشوان وعند قبائل الماساي في كينيا وشمال تنزانيا..

بل إن بالهند أيضًا ظاهرة عقد الزواج في اليوم نفسه بين امرأة وستة أزواج، وعند الحمل يكون الولد من نصيب الأكبر سنا والثاني للذي يليه وهكذا، وقد كان ذلك منذ القدم للحفاظ على ملكية الأرض للعائلة ولتعويض نقص عدد النساء عن الرجل، ولكن دورات الحياة غيرت تلك المفاهيم.

ورغم أن جميع الأديان السماوية حرمت التعدد للمرأة منعًا لاختلاط الأنساب وحفاظًا على المرأة من الأمراض الحتمية نتيجة التعدد، لدرجة أنه شرعًا لا يجوز للأرمل أو المطلقة الزواج إلا بعد قضاء أشهر العدة حتى تطهر رحمها من آثار الزوج السابق، ثم إنه بالفطرة لا تحتاج المرأة لأكثر من رجل بينما يحتاج الرجل لأكثر من امرأة، لأن الرجل يحتاج الجنس في أي امرأة بينما تحتاج المرأة للحب الذي لا تجده إلا في ظل علاقة واحدة بعكس كل الخرافات بأن شهوة المرأة أكثر من الرجل.

أقول ذلك بعد انتشار مفاهيم شاذة ومغلوطة حول مؤسسة الزواج في مصر، وبعد صعوبة بناء بيت الزوجية لأسباب اقتصادية، ثم العادات البالية ومعها قوانين الأحوال الشخصية التي تجعل الرجل يفكر كثيرا قبل الارتباط بأي امرأة، مما أدى للعنوسة، وبالتالي راح هناك من يروّجون للشذوذ والعلاقات غير السوية خارج نطاق الأسرة التقليدية.

الأمر الذي جعل الأرض خصبة لنمو كل الأفكار غير السوية سواء للرجال أو النساء وللأسف وجدت من يبررها ويروج لها في الجامعات الخاصة والدراما التركية وجروبات فيس بوك، لدرجة التفحش، مما يهدد الأمن القومي، ذلك لأن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع فإذا تسرطنت ضاعت الهوية.
الجريدة الرسمية