رئيس التحرير
عصام كامل

الحس السياسي الغائب في الانتخابات


بغض النظر عن فتنة التصنيفات السياسية للمختلفين مع بعض أو كل عناصر المشهد الراهن، فقد انفض مولد الانتخابات ولم يتبق منه إلا بعض الملاحظات والدروس إذا كنا جادين حقًا في بناء دولة المؤسسات بشفافية، حتى لا نظل نجري في الوضع واقفًا، ونحن في وهم أننا نسابق الزمن..


وبصراحة فإن الملاحظة الأولى كانت في غياب الحس السياسي في مجمل العملية كلها من الألف للياء، ويستوي في هذا الجميع بدءًا من الذين خططوا وأداروا واختاروا وقاموا بالتنفيذ، وحتى الشكل البسيط لم يأخذ الحد الأدنى من الجدية، بدءًا من استعراض البرامج وانتهاء بالمناظرات ومخاطبة الناخبين مباشرة، بما يوحي كذبًا بالتعالي على الناخبين، وفِي كل الأحوال كان خطاب جميع الأطراف دون المستوى السياسي..

فقد راحت قنوات الجماعة الإرهابية تتسافل على الناخبين وتسب النساء وتزعم أن السماء تنتقم منهم بالعاصفة الترابية، وأن عواجيز مصر ذهبوا من أجل زيادة المعاشات وهم لا يستحقون بعد ذلك أي مساعدة إنسانية، ولم يسلم مصري واحد معارض لهم من تفحشهم وهمزهم، وعلى الطرف الآخر كان التبرير جاهزًا للأخطاء لدرجة خروج كاتب صحفي وإعلامي يفترض أنه كبير، ويبرر الرقص المبالغ فيه أمام اللجان بالقول إن النساء خرجت ترقص لاستقبال النبي (صلى الله عليه وسلم)، وآخر يخرج يُتهم من لا يشاركوا بالكفر والإثم، بينما يتهم بعض بهاليل الإعلام المقاطعين بالخيانة، علمًا بأن نسب المشاركة في العالم كله لا تتجاوز الـــ ٥٠٪‏، فإذا صدقنا مسألة الخيانة سيُصبِح أكثر من لهم حق التصويت خونة.

وكانت الصورة معقولة في أول يوم، وكان هناك إقبال مرضي غير أن بصمة صغار المسئولين من ائتلاف الدببة، وغياب الحس السياسي لديهم جاءوا يكحلوها فأصابوها بالعمى، وبدلا من حث الناس على المشاركة بدعوات ذكية تحول الأمر إلى إجبارهم بالترهيب والترغيب لدرجة قول أحد المحافظين (جتكم ستين نيلة)، ثم تلميحات وتصريحات بغرامة الـــ٥٠٠ جنيه غير الدستورية، ويستحيل تطبيقها إلا بعد تحقيقات، إضافة إلى أنها تسيء للدولة لأن الانتخابات حق وليس إجبارًا..

وللأسف انتشرت صور كثيرة تكشف هرولة البسطاء ليس لتأدية الواجب ولكن خوفًا من الغرامة، ولذلك ستظل الأصوات الباطلة ظاهرة احتجاج صامتة على غياب الحس السياسي في مخاطبة الناس، ثم كان الابتذال في رصد المكافآت للقرى الأكثر تصويتًا، وبعض الهدايا العينية من بعض رجال الأعمال.

وكالعادة ذهبت الفضائيات تلهث في العاصمة والمدن خلف النجوم، وتجاهلت القرى والمناطق الشعبية، وكانت القرى تستحق التركيز بمئات اللقطات الإنسانية، والخروج الطبيعي للناس بدون مزايدات بعض مقاولي الأنفار من النواب، ومشاهد توزيع اللحوم والوجبات والسكر والزيت، وهي مخالفات انتخابية صارخة ربما أدت لنتائج عكسية.

على أن ظاهرة الإفراط في مخاطبة الخارج لتحسين صورة مصر أصبحت فجة ومبتذلة، خاصة أن الغرب لن يرضى عنا حتى نتبع ملتهم، وكان بعض الوطنيين يعتبرون أن انتقادات الغرب لهم دليل صحة ووطنية، والكارثة أن العالم لا يشاهد ولا يهتم بما تقوله فضائيات صدى البلد وon tv وحتى الترجمات التي تصلهم تثير سخريته أكثر، وللأسف فإن بعض الإعلاميين يعطيهم الفرصة لتدني مهنيتهم.

وخذ مثال الارتباك الموسمي في الساعات الأخيرة في كل انتخابات، وخاصة في لجان الوافدين الذي تم ربطه بالشهر العقاري، والحل البسيط كان في تخصيص لجان لهم بدلا من هذا الارتباك الذي يسيء للانتخابات ويدعو البعض للتأويل، ثم كان تجميع اللجان ودمجها عامل ثالث في تشتيت الناخبين التقليديين الذين راحوا يبحثون عن لجانهم الجديدة، وأخيرًا كان تنافس الحملات في إظهار قوتها على الحشد سلبيًا، وبدا أنهم يعملون لأنفسهم وليس للمرشح الرئاسي، وهو ما يظهر الحاجة لإعادة النظر في مجمل الحياة السياسية بالتنظيم لتجميع الأغلبية في حزب واحد، وكذلك المعارضة، لأن الانتخابات الرئاسية المقبلة لن تتم بدونهما.
الجريدة الرسمية