رئيس التحرير
عصام كامل

متى نغضب على محمد صلاح


منذ أيام أعدت مجلة سياسية عددًا خاصًا عن اللاعب المصري محمد صلاح، رغم أن المؤسسة التي تصدرها لديها مجلة رياضية متخصصة، والمعنى أن صلاح المحترف في إنجلترا قد أصبح ظاهرة إنسانية مصرية، تصل إلى مرحلة الحلم، بعد أن أقفرت الساحة من النجوم الذين كانوا يملأون كل مجالات الحياة المصرية في الأدب والفن والرياضة والسياسة والاقتصاد والطب والعلم..


فجاء محمد صلاح ليملأ فراغًا كبيرًا، غير أن البعض للأسف لم يصله درس محمد صلاح الذي يمكن تلخيصه في كلمتين، هما الاحتراف، والاجتهاد، وهما مصطلحان لا يعرفان الفهلوة والعشوائية، وربما لم يلحظ الكثيرون أهمية الاحتراف في هذا العصر، فقد مرت ظاهرة أحمد زويل بدون أن يتوقف أحد للعودة إلى الأصول المرعية في ألف باء النجاح، وبدون أن نتساءل لماذا ينجح المصري في الخارج، بل لماذا يحترم إشارة المرور هناك ويكسرها متعمدا هنا..

ويقال إن المصري شديد الانضباط في الخارج لأن عندهم لا أحد فوق القانون ولا أحد تحته، المهم أن ظاهرة محمد صلاح يجب التوقف أمامها والاستفادة بها دون الدخول في عبثية اللحية، وضرورة حلقها التي أرقت كاتبا كبيرا بحجم صلاح منتصر، خوفًا من أن يكون صلاح بلحيته يضفي شرعية على الاٍرهاب والارهابيين، لأن العكس هو الصحيح إذ يتمسك الإرهابيون باللحية كقناع يتسترون خلفة ويشترون به طمأنة من حولهم بأنهم مسالمون..

ولكن جاء علينا حين من الدهر اختلطت المفاهيم، وصرنا نمنع الحلال درءًا للحرام، وأصبح اللوك الشرعي من وجهة نظر بعضهم البعد عن أي سمت إسلامي، إكرامًا للمتطرفين والإرهابيين، وكأن كارل ماركس وبوب مارلي وديفيد بيكهام إرهابيون، وما كتبه منتصر باحتراف كتبه أيضًا عبد المنعم عمارة، بما يؤكد هذا الخلط المتعسف من النخبة في تصنيف البشر..

ثم كانت الطامة الكبرى في سجدة الشكر لصلاح عقب إحرازه أي هدف، ورأى البعض أنها لفتة دينية، ليس مكانها الملاعب، وكأن الآخرين من الديانات الأخرى لا يمارسون طقوسهم، وبينما نقرأ تلك الكتابات هنا نجد الإعلام الغربي يكتب العكس، وترى الجارديان أن صلاح ورفاقه في الملاعب فرسانٌ في الحرب على التطرف، ويرى كاتب فرنسي أن أي هدف لصلاح بألف وعظ ديني، وربما تكون تلك المقدمة قد طالت أكثر مما ينبغي للإجابة عن سؤال متى نغضب على صلاح ونهاجمه؟! كما فعلنا مع تاجر السعادة أبو تريكة والخطيب الذين وضعناهم فوق الرءوس ثم دهسهم البعض بأرجلهم عند أول سوء فهم..

وبالتجربة سوف يكون مصير صلاح نفس مصير من سبقوه وسيتحول الإعجاب والانبهار إلى سخط وغضب وسباب ولعنات عند أول ضربة جزاء يفشل في تسديدها.. أو عند أول شائعة خاصة، وهناك من بدأ مبكرًا في تأليف حوارات على لسانه لم يتفوه بها، وهناك من يتاجر بنجوميته مستغلا أدبه وترفعه عن الدخول في جدل صغير يشتته عن استكمال مشواره..

وهكذا نحن متطرفون في الحب والبغض، نحول من نحب إلى عبد نسجنه في مشاعرنا، ولا نسمح له بالتنفس للتعبير عن مشاعر الاستياء أو الرفض والاحتجاج على سلوكنا، وإذا جاء بخطأ بشري يتحول حبنا الجنوني إلى كره وحقد وبغض جنوني، ونتحول إلى وحوش ضارية في ردود أفعالنا، لأننا نحب ونكره حتى الموت، ولأن معظم علاقاتنا ومشاعرنا تحكمها ثنائية معي أو ضدي..

قوامها الربح والخسارة والفائز والمنتصر والغالب والمغلوب، وليس هناك منطقة وسط بين هذا وذاك وهذا التطرف هو الخطوة قبل الأخيرة للإرهاب، والرأي عندي أننا جميعًا متطرفون بدرجات متفاوتة، ولهذا فشلت الديمقراطية، ووجدت من يقول إننا أمة لا تستحقها لأننا نتكلم عنها ولا نمارسها، خاصة إذا كانت النخبة هي التي تؤسس للتطرف والتعصب، ولن يكون صلاح أعز من ناصر والسادات ومبارك الذين وضعناهم في "سابع سما" ثم أسقطناهم لأسفل سافلين، وتلك هي أخلص عاداتنا ولن نستوردها ولا نشتريها.
الجريدة الرسمية