رئيس التحرير
عصام كامل

الانتخابات في لبنان.. ديمقراطية الطائفية بثوب جديد


ينتظر اللبنانيون حدثا جديدا بعد أقل من شهرين لكنه لن يجلب بالضرورة السعادة التي كانوا ينتظرونها، ففي السابع من مايو، سيتوجه اللبنانيون لانتخاب مجلس نواب جديد ووفقا لقانون انتخابي جديد، عندما كان اللبنانيون يناقشون قانون الانتخابات البرلمانية قبل أكثر من عام، كان البعض منهم يحلم بلبنان كدائرة واحدة للتغلب على الطائفية. 


ولكن عندما أراد الساسة في لبنان التوصل لقانون وجدوا أنفسهم يحمون الطائفية بكل غالٍ ونفيس، فبيروت تم تقسيمها لدائرتين تضم الأولى ثلاثة مقاعد للأرمن الأرثوذكس، ومقعد عن الأرمن الكاثوليك، ومقعد للموارنة، وآخر للروم الكاثوليك، في حين تضم دائرة بيروت الثانية أحد عشر مقعدا، منهم ستة للسنة، واثنان للشيعة ومقعدا للدروز، ومقعد للأرثوذكس وآخر للإنجيليين، وهكذا تم تقسيم الدوائر مع دمج بعضها لكن جميعها ظلت على حالتها الطائفية.

كل ما استطاعوا فعله هو تفصيل قانون يستند إلى الطائفية النسبية، القانون يبدو معقدا وسأسعى لتبسيطه، فالانتخابات تقوم على القوائم النسبية بحيث يتم تقسيم الأصوات على عدد المقاعد في الدائرة، ليكون الناتج هو ما يسمى "الحاصل الانتخابي"، أو الحد الأدنى من الأصوات، التي يجب أن تحصل عليه القائمة لضمان مقعد واحد في البرلمان، بعد التصويت يتم استبعاد القوائم التي لم تحقق هذا الحد الأدنى، ثم يتم تجميع أصوات القوائم الفائزة وقسمتها على عدد مقاعد البرلمان مجددا للحصول على حاصل انتخابي جديد، أو حد أدنى جديد، يتم وفقه حساب عدد المقاعد التي تحصل عليها كل قائمة. 

الجديد في القانون أن الناخب لا ينتخب أعضاء من القائمة، بل ينتخب القائمة بأكملها مع صوت تفضيلي يعطيه لمرشح واحد من القائمة، هذا الصوت التفضيلي هو الذي يحسم المقاعد بين القوائم في النهائية.

الصوت التفضيلي أربك حسابات الأحزاب، فلو افترضنا نجاح قائمتين انتخابتين تحصل الأولى منها على سبعة مقاعد وتحصل الثانية على خمسة مقاعد، فان الأسماء الأولى في كل قائمة لا تضمن.

وبرغم أن الهدف من القوائم الانتخابية هو التغلب على شراء الأصوات، فأن الصوت التفضيلي أعاد ما عانى منه اللبنانيون سابقا من لعبة شراء الأصوات الانتخابية، فلنأخذ مثالا عن دائرة الشمال الثانية، والتي تضم أحد عشر مقعدا، منهم ثمانية للسنة، ونائب ماروني، وأخر أرثوكسي واخر علوي، عدد القوائم التي ممكن أن تفوز لن تتجاوز أربع قوائم رغم تعدد القوائم وهي: قائمة تيار المستقبل لسعد الحريري رئيس وزراء لبنان، ولائحة رئيس الحكومة الأسبق ورجل الأعمال البارز نجيب ميقاتي، ولائحة اللواء أشرف ريفي وزير العدل السابق والذي خرج عن عباءة تيار المستقبل وسعد الحريري، وقائمة الوزير السابق فيصل كرامي الذي تحالف مع سليمان فرنجية.

التنافس بين القوائم الأربع سيفتت الأصوات بين القوائم وتسعى كل قائمة لضمان حصول مرشحيها على أعلى الأصوات عن طريق الصوت التفضيلي الذي يمكن أن يحصل عليها كل مرشح والذي يمكن ضمانته عن شراء الأصوات الانتخابية، ما الذي غيره قانون الانتخابات إذا؟ لا شيء سوى أنه دفع بعض القوائم للتحالف مع بعضها البعض، لكن لم يتغير شيئا مما كان يحلم به اللبنانيون، فلا هم سيحصلون على انتخابات خالية من الطائفية، ولا هم سيجدون مرشحين غير الوجوه التي يقولون إنهم سئموا رؤيتها.

الغريب أن اللبنانيين الذين سئموا الطائفية سيخرجون لينتخبوا مجلس النواب وفقا للقانون الذي يعرفون أنه لن يحركهم خطوة للأمام، وسيحملون لافتات الزعماء الذين طالبوا برحيلهم، تذكرني الانتخابات اللبنانية بمشهد فكاهي لبرنامج – "إربت تنحل" الشهير، ويقوم الممثلون من خلاله باصطناع مواقف اجتماعية أو سياسية، البرنامج ما زال يتم عرضه على تليفزيون "الجديد"، في الموقف الفكاهي الذي يحاكي ولاء الناخبين للزعماء. 

تحدثت فيه المذيعة إلى مجموعة من الممثلين يؤدون أدوار مواطنين بإحدى المناطق المحسوبة على طائفة ما، وسألتهم عن مشاكلهم فتبارى المواطنون في الحديث عن مشاكلهم التي لا يتحدث عنها أحد، وعابوا على السياسيين أنهم لا يتحدثون عن مشكلات المواطنين كالكهرباء التي لا تكاد تتوفر إلا لست ساعات في اليوم، وانتشار الزبالة على الطرقات، والفساد، وعندما سألتهم المذيعة هل يعني ذلك أنهم يفكرون في انتخاب شخص آخر غير زعيم الطائفة وعضو المجلس النيابي، كاد المواطنون يفتكون بها، وكأن لسان حال اللبنانيين يقول لك: سافر عبر الزمان وإلى المستقبل، وعد إلى لبنان ستجد الطائفية في لبنان كما هي، أو ستجدها - كما يقول المثل الشائع اللبناني- "على حطة إيدك".
الجريدة الرسمية