رئيس التحرير
عصام كامل

البحث عن قائد ..ملف خدمة مبارك رشحه لإعادة بناء سلاح الطيران عقب النكسة ..شهادة السوفييت فى حقه دفعت عبدالناصر لتعيينه رئيسا لأركان القوات الجوية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

لا يوجد أدل من الآية الكريمة «وعسي ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم» علي أن القدر يخفي أحيانا داخل المآسي ينابيع الخير .
كانت نكسة 67 ايذانا ببدء عهد مشرق للعسكرية المصرية ، فقد أسفرت الهزيمة العسكرية عن تدمير معظم طائرات قواتنا الجوية ، لكن ما خفف من حجم الكارثة أن خسائرنا البشرية في الطيارين الذين استشهدوا كانت محدودة جدا‮. ‬

ولم تكن خسارة طائراتنا في صباح يوم الإثنين المشئوم 5 يونيو‮ ‬1967، بابا يتسرب منه اليأس لقواتنا الجوية، لأننا لم نفقد الطيارين المصريين، عماد قواتنا الجوية والعنصر الرئيسي الذي يصعب تعويضه‮، ولأن شراء ‬الطائرات أو الحصول علي بدائل لها قد يستغرق شهورا محدودة،‮ ‬لكن تعويض الطيار وإعداده وإكسابه الخبرات القتالية يستغرق نحو عشر سنوات .
إعادة بناء قواتنا الجوية تركز علي زيادة خبرات الطيارين ورفع مستواهم القتالي،‮ ‬دون أن ننبه العدو إلي حقيقة الوهم الكبير الذي عاش فيه سنوات ، حتي خيل له أن قواته الجوية تسبقنا ـ خبرة وامكانيات ـ بحوالي عشر سنوات ، وأن عدد الطيارين المصريين لا يتيح لهم العمل في سماء المعركة ‮.‬. وكان المطلوب إعداد جيل جديد من شباب الطيارين‮ ‬، يكون مؤهلا لتولي المسئولية عوضا عن أي‮ ‬عدد من الطيارين الذين قد‮ ‬يفقدون لياقتهم للقتال الجوي مع مرور السنوات وتراجع اللياقة الصحية‮.‬
وبدأ البحث عن الرجل الذي‮ ‬يستطيع ان‮ ‬يتولي هذه المسئولية بنجاح ، ‮و‬يسابق خلالها الزمن ويتحداه ‮، ‬لتلتقي اشارات الأصابع عند العقيد طيار محمد حسني مبارك ، الذي كان ملف خدمته في القوات الجوية‮ ‬يضعه علي قائمة المرشحين‮ .‬
الجميع كان يعرف عن مبارك الانضباط وحب العمل والتصدي‮ ‬للمسئوليات الصعبة،‮ ‬وعدم الاستغراق في سلوكيات شخصية قد تستميل‮ ‬غيره‮ ، ‬ورشحه ذلك لتولي المسئولية المطلوبة من الكلية الجوية في‮ ‬هذه المرحلة‮.‬
تولي مبارك منصب مدير الكلية الجوية بعد خمسة شهور فقط من النكسة ،‮ ‬وتحديدا في شهر نوفمبر‮ ‬1967 ، وكانت المهمة الموكولة إليه تخريج أكبر عدد من الطيارين الأكفاء ، في أقل وقت ممكن طبقا لخطط تعليم وتدريب مكثفة تعتمد علي ما يتصف به قائد الكلية من انضباط ، وما اشتهر عنه من صبر وجلد وتفرغ‮ ‬للعمل ‮.‬
النتائج جاءت مبهرة‮ ، فقد تخرج تحت إدارته ست دفعات ‬من الطيارين خلال‮ 19 ‬شهرا ‮، أي عام ونصف‬ العام تقريبا ، وأهم ما كان‮ ‬يميز أبناء هذه الدفعات هو ارتفاع مستواهم الفني والقتالي ، الذي‮ ‬يفوق المستوي المفترض للخريج الجديد الذي‮ ‬يحمل رتبة ملازم طيار‮. ‬
وقد شهد بهذا القادة السوفييت ، عندما تم ارسال عدد منهم الي الاتحاد السوفيتي للتدريب علي طائرات جديدة‮.‬
ودفع ذلك الرئيس جمال عبد الناصر إلي زيارة الكلية الجوية، ليصدر في أعقابها قرارا بترقية استثنائية للعقيد طيار محمد حسني مبارك إلي رتبة عميد طيار ، وتعيينه رئيسا لأركان القوات الجوية المصرية، ويحمل هذا القرار تاريخ الأحد‮ ‬22‮ ‬يونيو‮ ‬1969‮ ، ‬وهو من أبرز ما‮ ‬يتضمنه ملف الخدمة العسكرية لهذا الرجل‮.‬
وأصبح حسني مبارك طبقا لهذا القرار المسئول عن المشاركة في كل مراحل إعادة بناء القوات المسلحة ، ورفع كفاءة الطيارين القتالية باستخدام طائرات القتال الجوي والقاذفات الثقيلة والمقاتلات القاذفة وسائر أجهزة التوجيه والملاحة وإطلاق الصواريخ وقصف القنابل وسائر المهام الأخري‮.‬
ويسجل تاريخ قواتنا الجوية ما‮ ‬يؤكد اهتمام رئيس الاركان في تلك المرحلة بما‮ ‬يسمي «إعادة الملء» ، وهو ما‮ ‬يعني الوقت المستغرق في استقبال الطائرات العائدة من مهمة قتالية وتزويدها بالوقود والذخيرة في أقل وقت من أجل سرعة انطلاقها من جديد‮ ، ‬ويرجع اهتمام حسني مبارك بهذا الأمر‮ الي ان ‬اسرائيل كانت من أبرز دول العالم في ذلك ، وتقترب من الرقم القياسي العالمي المسجل في إعادة الملء ، وهو نفس الرقم الذي سجلته قواتنا الجوية خلال مراحل التدريب التي سبقت معركة العبور‮ ، ‬لكن العجيب انه خلال معارك أكتوبر تجاوز المهندسون والفنيون المصريون ذلك،‮ ‬خاصة أثناء الاشتباك مع طائرات العدو ، وبالذات في المعركة الجوية التي عُرفت باسم‮ »‬شاوة‮« ، ‬وهو اسم قرية بالدقهلية قرب المنصورة ، وكانت أطول معركة جوية في تاريخ الحروب حتي تاريخها‮، ‬وأسقط الطيارون المصريون فيها‮ ‬51 طائرة للعدو ، وأصيبت لنا ثلاث طائرات .
كان نجاح رئيس أركان القوات الجوية محمد حسني مبارك في هذه المهام وفي كل ما كلف به يرجع إلي ما هو معروف عنه منذ تخرجه في الكلية الجوية ، من عدم استسلامه للراحة والاسترخاء .
وكانت طبيعة الأمور التي تساير قدرة مبارك علي تحمل المهام الصعبة، وراء القرار الذي صدر في إبريل‮ ‬1972‮ ‬بتعيينه قائدا للقوات الجوية ، ليكون المسئول الأول عن إعداد الطيران المصري لمهامه القتالية في معركة العبور ، وقيادة القوات الجوية خلال أول عملية عسكرية هجومية تقوم بها مصر منذ بداية الصراع المسلح في الشرق الأوسط‮ .‬
وكان الأمل معقودا عليه وعلي رجاله ، الذين عاصرهم طلبة بالكلية الجوية ، عندما كان مديرا لها وتابعهم في حياتهم العملية وهو في منصب رئيس أركان القوات الجوية،‮ ‬ثم قائدا لها‮.‬
الجريدة الرسمية