رئيس التحرير
عصام كامل

الدوبلير.. احتراف دون بطولة


هو ممثل مجهول الهوية "لنقل مجهول القدرات والإمكانيات" دائما، يعمل في الظل لضعف خِبراته أو لانعدامها في مشاهد أخرى، لا يعرف عن قدرته على التمثيل سوى الظهور في مشاهد معينة، لا تصلح لجميع الأعمال السينمائية، يتم استدعاؤه من قبل مخرج العمل لحماية بطل الرواية، ليقوم بالحركات الخطرة بدلا منه، فيكون دوره مهم فقط للبطل ليظهر أمام جمهور المشاهدين على أنه الخارق للطبيعة، والقاهر للظلم "أو قد يكون هو الظلم نفسه"، أو قد يكون ملاكًا يستدعى من السماء ليقوم بأعمال تفوق قدرة البشر على أدائها في الإنقاذ، الضرب، الطيران، أو في بعض الأحيان مواجهة الشعب في ظروف فاصلة في تاريخ أي أمة.


لا يتطور دوره في أعمال الأكشن، فأدواره ثابتة ومحددة ومرسوم بعناية لإضفاء مصداقية للعمل، فقد نجده يضرب بدلا من البطل" وإن كان ضربا غير حقيقي"، وقد نراه يقتل بيد مجهول بدلا منه، فنجده يهوى من على سلم مرتفع بدلا من بطله، نعم هو بطله الذي يحميه بحياته في المشاهد الخطرة، فيتلقى بدلا منه طعنة وإن كانت بسكين زائفة، أو يؤدي بدلا عنه قفزة وإن كانت خدعة تصويرية، أو قد يغامر وينقلب بدلا منه بالسيارة في حادث قد يؤدي بحياته أو لنقل بسمعته كدوبلير محترف إن مات بالفعل.

هو لا ينسب لدارسي مجال عمله "التمثيل"، وغير مدرك لأبعاد دور البطل التي يقوم بالضرب بدلا منه، لأنه لا يؤدي الدور كامل، ولا يرتقي دوره للظهور على الشاشة كممثل أو حتى مؤدي، فلا يحتاج لدراسة كيفية الضرب أو تفادي الضربة، لأنها لا تحتاج خبرة تمثيلية، لكنها تحتاج قدرة على الصمود أمام الخطر، فيضرب ويقفز إلى الحاوية بكامل إرادته ووعيه، فلا يحتاج لافتعال المشهد إن سقط بدلا من البطل في مشهد فاصل في العمل الدرامي.

عزاؤه الوحيد في وجوده في الظل هو حصوله على عائد مادي كبير يرضي شعوره بالدونية إذا ما قارناه ببطل العمل، محبوب الجماهير، الخارق في أدواره "على الرغم أنه لم يقم بها من الأساس"، أو حديث الصحف عنه أو ثرثرة مجتمعية حول قدراته التي تهز أرجاء المجتمع متعجبة عن مدى قيامه بعمل خارق في المجازفة بالسمعة والوضع الاجتماعي له، رغبة منه في عائد مالي أو تأمين مكانة وظيفية مستقبلية له.

الدوبلير.. ممثل ثانوي قرر يدخل الكادر بأي شكل، قرر يضحي بظهور وجهه في مقابل ظهور حركاته، بل طموحه جعله يرضخ للنجومية الزائفة، فأصبح يمتلئ غرورا ونشوة حين يصفق الجمهور للبطل عن حركته المزعومة، متناسيا في اللا شعور أن التصفيق ليس له، والنجومية لن يصل لها يوما، بل ارتضى أن يكون المنجد لبطل "لا يستطيع أن يواجه الخطر الحقيقي أو الموقف الصعب" دون إطراء له، بل قد يتساءل المشاهدون "أي مجنون هذا الذي قبل أن يقوم بهذه الحركة الخطرة التي قد تؤدي بحياته التمثيلية أو لنقل تقضي على حياته العامة إذا فشل"!

فالدوبلير.. مهنة أصبح يمتهُنها صفوة المجتمعات الآن، في مجالات عدة سياسية أو اجتماعية، قد يكون اختير بعناية ليُجسد دوره، وقد يكون أجبر على ذلك الدور، ما يعنينا أنه وضع في مكانه دون سبب مرضي للجمهور، لكنه صانع صورة مغايرة للواقع، فلا هو بطل، ولا يعتبره الجمهور من صناع المشهد مهما ادعى القدرة على التغيير من نفسه أو تغيير واقع الآخرين، وكأن لسان حال الجماهير "لو أفلح كان غير واقعه قبل أن يوهمنا ببطولته الزائفة"..

فقد تكون شخصية احترفت مواجهة الغضب لأنها تتسم بعدم الشعور بالآخرين وحالهم وضغوطاتهم، أو شخصية باعت سمعتها لمن يدفع، أو قد تكون شخصية مدمنة للظهور للرأي العام وإن تجرعت المهانة منه، للفت الانتباه عن أمر جلل في المجتمع، وهناك احتمالية أن تكون الشخصية مجبرة على هذا الدور الصدامي مع الشعب ربما لإلقاء المهام الصعبة عليه، التي قد اعتادها إرضاءً لأسياده في المال أو العمل، ربما لمواجهة جماهير غاضبة متعة لديه كنوع من التضحية بالنفس والسمعة مقابل رئيس عمل محبوب منه أو يخافه، أو شخصية لتفتيت أصوات ناخبين مدرك أنه لن يصل لكرسي السلطة يوما..

أو قد تصل لتحسين صورة انتخابية أو على الأغلب اختير ليكون منافسا وديعا ومٌسالمًا في انتخابات فاصلة في تاريخ أي أمة، فاختار أن يدخل التاريخ من بابه الخلفي أو في الملاحظات التي يتجاهلها عادة قراء التاريخ.

وحتى نكون منصفين في حقه، إن كتب عنه التاريخ سيذكر أنه كان مجرد كومبارس أو لنقل بتوصيف أعلى مجرد مشخصاتي يقوم بدور ثانوي باحترافية ليست عالية لكنها دون شك بلا بطولة تذكر أو تحسب له.
الجريدة الرسمية