رئيس التحرير
عصام كامل

هل تنهي أزمة باسيل-بري تحالفات حزب الله؟


في أزمات لبنان السياسية، لا تواجه الكلمات بالكلمات، لكن تواجـه الكلمات بإشعال الإطارات، هـذا ما حـــدث عندما أخطأ جبران باسيل وزير الخارجية وقام بوصف نبيـه بري رئيس مجلس النواب بالبلطجي، كلمات باسيـل التي تم تسريبها بالصوت والصورة في لقائه مع المغتربين، أشعلت غضب نبيه بري وجمهور حـركة أمل، فقام أنصـاره بقطع الطرق، وإشعال الإطارات، ومهاجمة مقر "التيار التغيير والإصلاح المعروف بالتيــار الوطني الحــر".


رئيس مجلس النواب معروف بعدم تحمله بالنقد ولا سيما إن كان الرجل معروفًا بالحرص على عدم وجود "قنابل" دستورية تفجر الوضع السياسي، فعندما تعرض للنقد على شاشة تليفزيون "الجديد"، حاول البعض إحراق القناة وتم حرق عربة بث خارجي تابعة للقناة، ولكن لم يتحرك القضاء رغم اتهام قناة الجديد له صراحة.

الجميع يعرف أن نبيه بري لم يكن يرغب في أن يرى ميشال عون، الزعيم الروحي لتيار التغيير والإصلاح، رئيسًا لبنان، وكان يفضل عليه سليمان فرنجية، رئيس تيار المردة، لكنه لم يستطع أن يضع سليمان فرنجية على مقعد الرئاسة لأن حزب الله التزم بتحالفه مع رئيس تيار التغيير والإصلاح في ذلك الوقت، وربما لهذا السبب لم يطلب رئيس الجمهورية من جبران باسيل أن يعتذر لنبيه بري، من بين الأسباب التي تضع رئيس الجمهورية في حرج هو أن جبران باسيل زوج ابنته، وهو من يرأس التيار الوطني الحر من بعده.

هناك الكثير من "المسكوت عنه" في لبنان، عندما تذهب للضاحية الجنوبية في لبنان وتسأل عن وضع لبنان أيام وجود الجيش السوري، سيروي لك الناس روايات عن "احتلال" سوريا للبنان ومعاناة اللبنانيين وقتها، وسيتحدثون إليك عن معاناتهم بسبب اللاجئين السوريين الذين زحفوا على لبنان وقللوا من فرص اللبنانيين في العمل، وبخاصة في الأعمال الحرة، لأن "يومية" السوري أقل من اللبناني، لكن الكلام مع الناس شيء والمعلن شيء آخر.

أنصار حزب الله يتحدثون بينهم عن "نفوذ" نبيه بري، لكنهم لا يتحدثون عن نفوذه في العلن، العلاقة بين الكتلتين الشيعيتين تقوم على الاحترام المتبادل من بعد أن تقاتلا في الثمانينيات، بل على التحالف والتكاتف في المواقف حتى وإن كان نبيه بري وحركة أمل لا يوافقون على قرارات حزب الله.. فنبيه بري ضد تدخل حزب الله في سوريا، ولكنه لم يقف بنفوذه ضد الحزب.

توتر العلاقة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل، أو بين جبران باسيل، رئيس التيار، ونبيه بري رئيس حركة أمل يضع "حزب الله" في مأزق، فهو حليف الاثنين.. حزب الله أصدر على الفور بيانًا يدين الإساءة لرئيس مجلس النواب، لكن حزب الله حليف للتيار الوطني الحر وللرئيس اللبناني ميشال عون الذي أسس التيار الوطني الحر، وتصاعد التوتر وازدياد الأزمة السياسية بين التيار الوطني الحر وحركة أمل قد تفرض على الحزب أن يختار بين أن يكون مع شيعته أقصد نبيه بري وحركة أمل، أو يتركهم ويستمر في تحالفه مع التيار الوطني الحر.

رفض جبران باسيل الاعتذار عما قاله زاد من الأزمة السياسية سواء، ولا أحد يعرف حتى كتابة هذه السطور ما الذي تحمله الأيام القادمة من توتر للبنان، فموقف رئيس الجمهورية الذي طالب الجميع بالتسامح لن يرضي نبيه بري، ولا حزب الله.. التيار الوطني الحر سمع كلام رئيس الجمهورية وتسامح في محاولة حرق المقر الرئيس له، ولسان حاله يقول إذا كان جبران باسيل قد اتهم نبيه بري بإساءة استغلال نفوذه.. فهل ما يفعله أنصاره من حرق إطارات وأقفال الطرق لا يعكس ذلك؟!

بعد الحرب الأهلية، تعامل اللبنانيون مع الأزمات السياسية على طريقة "لا ضرر ولا ضرار"، محاولين تحمل أخف الأضرار بدلًا من أشدها.. فحتى وإن كان جبران باسيل قد انزعج من "نفوذ" نبيه بري، فالحكمة السياسية كانت تقضي ألا يعبر عن انزعاجه علانية ويسيء إليه، لأن الأضرار التي يمكن أن تقع نتيجة لكلامه أكبر من الفائدة التي يمكن أن تعود منه، وإذا كان وزير الخارجية اللبناني يرى أن محق فيما قاله لأنه ضد إساءة استغلال النفوذ، فوزير الخارجية اللبناني يعرف أن لبنان بلد لم يبنَ على "اتباع الصواب أو تجنب الخطأ".

فالأخطاء السياسية تطول الجميع في لبنان، وبالتعبير اللبناني الدارج، "لو صار الحكيّ بالعربي المشبرح"، ستنفجر لبنان لأن "الحكيّ" لن ينتهي.
الجريدة الرسمية