رئيس التحرير
عصام كامل

«فيتو» داخل مكتبة وثائق التعليم..الكنز المدفون وتاريخ 180 سنة في مصر.. أوراق التاريخ تكشف مجانية التعليم قبل طه حسين.. 1910 يشهد أول مدرسة للفتيات..وأسرار الإنجليز في مراكز صناعة المستقبل

فيتو

ممر ضيق خلف مبنى شئون العاملين بديوان عام وزارة التربية والتعليم يقودك إلى مبنى صغير يضم الإدارة العامة لمتحف التعليم ومكتبة الوثائق، فور دخولك إلى المبنى تواجهك صور وزراء التربية والتعليم منذ نشأة التعليم الحديث في مصر على يد محمد على باشا، وتبدأ الصور بـ«مصطفى مختار بك» أول رئيس لديوان المدارس الذي تأسس عام 1837، وهو الذي تحول إلى وزارة التربية والتعليم الحالية بعد مراحل كثيرة من التطور.


كنوز مدفونة
مكتبة الوثائق التي تقع في نهاية الطابق الأرضي من المبنى الصغير الملحق بمبنى شئون العاملين يفصل بينها وبين مباني وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية سور، والغريب في الأمر أنه بالرغم من الكنوز التي تضمها المكتبة فإن هناك عددا محدودا من موظفى التربية والتعليم يعرفونها، في حين أن غالبية القيادات تجهل وجود مثل تلك المكتبة التي تبعد عنهم بضع خطوات، وبعضهم يستنكر سؤالك إن سألته هل فكرت في زيارة مكتبة الوثائق بالوزارة فتأخذه الدهشة ويتساءل: “هو فيه هنا مكتبة وثائق ودى بتعمل إيه؟”، وتزداد دهشة المسئول إذا أسهبت له في شرح مقتنيات المكتبة التي تحتوي تاريخ التعليم منذ نحو قرنين من الزمان.

وصف مصر
تضم المكتبة نسخة كاملة من كتاب وصف مصر، وآلاف الوثائق عن تاريخ التعليم وكيف كانت تدار المدارس، بالإضافة إلى مئات الوثائق التاريخية حول التاريخ المصرى ونظام الحكم والإدارة، وكل المناهج والمقررات والخطط الدراسية التي كانت مقررة على طلاب المدارس منذ نشأة التعليم وحتى الآن، وتشمل مقتنيات المكتبة إحصائيات التعليم والقوانين التي كانت تحكم المنظومة والقرارات واللوائح والمنشورات والنشرات، والتقارير، ومحاضر الجلسات، والمذكرات والمناهج والخطط الدراسية، بالإضافة إلى جملة من البحوث القيمة في مجال تطوير التعليم.

وفى الوقت الذي تستعد فيه وزارة التربية والتعليم إلى استحداث منظومة جديدة للتعليم، وتتأهب لعقد مؤتمر جماهيرى ضخم تطرح فيه رؤية الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، للنظام الجديد للثانوية العامة وتفاصيل خطة العمل خلال الفترة المقبلة، أغفلت الوزارة التوصيات والنتائج التي توصلت إليها مئات المؤتمرات التي عقدت لتطوير التعليم وتضم مكتبة الوثائق نسخًا من أوراق تلك المؤتمرات.

مجانية التعليم
واحدة من القضايا المثيرة للجدل خلال الفترة الحالية، هي قضية مجانية التعليم، وهى القضية التي برزت على السطح منذ تولي الدكتور طارق شوقى مسئولية وزارة التربية والتعليم. المفاجأة التي تكشفها وثائق التعليم أن الدعوة التي أطلقها عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين وقت أن تولى مسئولية وزارة المعارف بمجانية التعليم، والتي خلدتها عبارته الشهيرة “التعليم كالماء والهواء”، لم تكن هي أول دعوة لمجانية التعليم بل سبقتها جهود كبيرة منذ عام 1923 وما قبله لتطبيق المجانية في المدارس، وقد تم تطبيقها بالفعل في عدد من المدارس منذ عشرينيات القرن الماضي، وجاء طه حسين ليعممها، وصارت المجانية في المدارس بعد رحيله عن الوزارة.

وتؤكد وثائق التربية والتعليم التي تضم المكتبة أن أكثر الأزمان مجانية في المدارس كان زمن محمد على باشا، فيذكر بحث مجانية التعليم من بداية القرن التاسع عشر حتى 1984 لعوض توفيق –أحد مقتنيات المكتبة- أن ربط التعليم بحاجات الجيش والدولة استتبعت ضم شئون التعليم إلى ديوان الجهادية تحت مسمى مجلس شئون المدارس، لتحقيق التنسيق بين هذه الحاجات وبين أهداف التعليم، وكانت حكومة محمد على تتحمل جميع نفقات التعليم فهي تتسلم التلاميذ من أهاليهم فتحل محلهم في رعايتهم وتقوم على تعليمهم وتربيتهم، كما تطعمهم وتكسوهم وتمنحهم مصروفهم كل شهر، وهى فوق كل هذا تأويهم في مدارسها ليلا ونهارا لا يبرحونها إلى أهلهم إلا حين تشاء، وذلك حتى تضمن الحكومة أن يشب التلاميذ وقد شبعوا بالمبادئ التي بثتها فيهم.

ديوان المدارس
وبحسب وثائق التعليم، فقد استمرت تبعية المدارس لديوان الجهادية إلى عام 1837 عندما أنشئ ديوان خاص للتعليم سمى “ديوان المدارس”، وأصبح هذا الديوان يختص بشئون التعليم الفنية والمالية، وقد تم إغلاق ديوان المدارس في حكم سعيد باشا الذي كان يرى أن حكم أمة جاهلة أسهل كثيرًا من قيادة أمة متعلمة، وعندما تولى الخديو إسماعيل الحكم أعاد فتح ديوان المدارس وولى عليه إبراهيم باشا أدهم في الفترة من يناير 1863 وحتى يوليو 1863.

الإنجليز ونظارة المعارف
واستمرت المجانية والإنفاق على المدارس في عهد الخديو إسماعيل، وتغير الأمر بعد الاحتلال البريطاني عام 1882، حيث سيطر الإنجليز على مقاليد الأمور، وتغير فيما بعد مسمى ديوان المدارس إلى نظارة المعارف، وتم القضاء على المجانية في المدارس، وفي عام 1915 تحولت النظارة إلى وزارة وأصبحت تعرف باسم وزارة المعارف، ومع تحقيق الاستقلال الجزئي عام 1923 ارتفعت الأصوات المطالبة بتطبيق مجانية التعليم ولم يكتف الأمر عند هذا الحد، حيث تخبرنا وثائق التعليم أن الحكومات المتعاقبة منذ ذلك التاريخ كانت تقدم دعمًا ماليًا إلى المدارس الحرة وهي التي تعرف حاليًا بالمدارس الخاصة.

وفى عام 1944 قررت الوزارة إلغاء المصروفات الدراسية على المدارس الابتدائية، وقبلها في عام 1942 كان قد صدر قانون يلزم الوزارة بتغذية التلاميذ، ورصدت لذلك 100 ألف جنيه عام 1942 وارتفع المبلغ إلى نصف مليون جنيه عام 1943، ووصل المبلغ في مرحلة التعليم الأولي إلى 2 مليون جنيه عام 1952، وفى عام 1948 أعفي أولياء الأمور من نفقات الكتب المدرسية والتغذية.
وتشير الوثائق التاريخية إلى أن عام 1984 شهد مطالب عديدة بإلغاء مجانية التعليم، وأعدت الوزارة دراسة كاملة حول ذلك الأمر انتهت إلى رأى بضرورة تحجيم المجانية ورفع مصروفات المدارس الحكومية.

تشير وثائق التعليم إلى أن تعليم الفتيات بدأ بصورة جدية في مصر عام 1910، حيث أنشئت أول مدرسة متخصصة لهذا الغرض في كوبري القبة بالقاهرة، وكان يتم تدريس التدبير المنزلى بها.

الثانوية العامة
تسعى وزارة التعليم إلى تغيير نظام الثانوية العامة وتطبيق نظام جديد لتقييم الطلاب بطريقة تراكمية طوال السنوات الثلاث، نجد أن مرحلة التعليم الثانوى مرت بتغييرات عديدة، وتكشف وثائق التعليم أن أول امتحان لإتمام الشهادة الثانوية عقد سنة 1887، وكان هذا الامتحان خاصًا بنهاية المرحلة، فلم تكن الثانوية مقسمة إلى فترات دراسية، وقد تعرضت الدراسة الثانوية لعدد من التغيرات فقد كانت مدة الدراسة بالمرحلة الثانوية 4 سنوات حتى عام 1891، ثم أصبحت 5 سنوات في عام 1892، وتقلصت إلى 3 سنوات في عام 1898.

وتضم أيضًا مكتبات الوثائق بوزارة التربية والتعليم مجموعة نادرة من المنشورات والوثائق التاريخية التي تؤرخ للتعليم المصري، ومنها مثلًا أول شكوى رسمية من محاولة معلم إجبار طالب على الحصول على درس خصوصى فقد كانت عام 1895، وشهد نفس العام أيضًا أول شكوى من ولى أمر يشتكي من اعتداء معلم على نجله في إحدى المدارس، كما أن الإحصائيات التي تضمها المكتبة تكشف أن عام 1947/ 1948 شهد أعلى نسبة إنفاق على التعليم بنحو 13.3% من الميزانية العامة للدولة.
الجريدة الرسمية