رئيس التحرير
عصام كامل

أنيسة حسونة.. «قاهرة السرطان»

أنيسة حسونة
أنيسة حسونة

“كنت أشعر أننى أسير في نفق مظلم.. وعليَّ أن أسير فيه حتى نهايتِه، مهما كانت العواقب”. ظلت لسنوات تحلق في سماء صنعتها هي بيدها، عالم اختصت به دون غيرها، أسرة صغيرة قامت على أساس متين وحب دام لسنوات طويلة، لم تَشْكُ يومًا من ألم بعينه، دهست ظروفها وخاضت غمار حياة كانت هي بطلتها دائمًا، حتى تصدع الجدار الأكثر متانة في جسدها، “الدكتور قاللى المناعة عبارة عن مبنى متعدد الجدارات كلما تعرضنا لضغط نفسى تهاوى أحدهم”.


انهار جدار المناعة، آخر جدار كانت تحتمى به، تختبئُ خلفه، تتقوى به؛ لتبدو “أنيسة حسونة” التي اندرج اسمها ضمن 100 سيدة هن الأقوى عربيا في عام 2014.

في نهاية عام 2015، كانت أنيسة حسونة على موعد مع حياة جديدة، عثرات تسقط بها الواحدة تلو الأخرى، وجوه سقطت أقنعتها، وبدت كوجوه من الثلج كما أطلقت عليها، فحينما وقع عليها الاختيار لتتولى منصب الأمين العام للجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، كأول سيدة تتولى هذا المنصب في مصر، بدت الحقائق تتكشف أمامها؛ المؤسسة الطبية، أو الصرح، كما يمكن أن نسميه، الذي قدمت له الكثير منذ توليها منصب المدير التنفيذى له، فوجئت بأنها أصبحت الآن لا فائدة منها، ويمكنها أن تجمع أغراضها وتفارق المؤسسة، لأنها لا يمكن أن تجمع بين مهامها وعملها كنائبة بالبرلمان، حينما حاولت أن تقنعهم بأنها ستجمع بين الوظيفتين ولا توجد مشكلة في ذلك، أجابها أحدهم: “إحنا أصلًا مش عايزينك معانا”، ثم يدعوها بعد ذلك للغداء، وكأنَّ شيئًا لم يكن!

في يناير 2016، كانت تقضى إجازتها برفقة زوجها الدكتور شريف، غمرتها السعادة فشعرت كأنها ستحيا لعشرات السنوات دون أن يداهمها الموت أو المرض، فالسعادة والتفاؤل في منظورها يمكنهما أن يطردا الخوف والموت بعيدًا!، تسلل السرطان إلى جسدها خلسة، عادت من الإجازة لتجرى بعدها فحوصات تؤكد إصابتها بالسرطان: “الدكتور قال لى لن أعيش سوى خمس سنوات”.

ابتعدت أنيسة عن الأجواء، ارتكنت إلى حربها التي كتب عليها أن تخوضها وحدها من أجل زوج وفتيات وأحفاد كانوا دائما محور حياتها، والطاقة الخفية التي تدفعها دائما للأمام، “عرفت إنى جالى سرطان، كان كل همى بناتى وزوجي، كيف سيعيشن بدوني؟!”.

“الصدفة” كانت السر وراء اكتشافها المرض، لكن أواصر المودة بينها وبين زوجها، جعلت الصدفة لا تتخلل جميع مراحل العلاج، فكان يرتب كل جلسة “كيماوي”، ويفرغ نفسه لتتبع هذه الخطوة الأصعب في رحلة العلاج، “كان زوجى رفيقًا لى في كل جلسة”، تتبع أنيسة نظراته إلى وجهها وانعكاس سير المواد الكيميائية في خلايا جسدها عليه، في إحدى المرات حضرت إحدى بناتها، لكنها لم تتحمل الموقف.

اقتصر الأمر على الأسرة الصغيرة والأخوات، ففى مرحلة ما قبل جرعة الكيماوى الثانية، وفى الفترة التي تعقدت فيها العملية، وكأنَّ القدر يختبر المزيد من صبر هذه السيدة، ظلت شهورًا في ألمانيا، لا يعلم عنها أحد شيئًا، تضعف وتستسلم تارة، فتنظر في وجوه بناتها وأحفادها، وعينى زوجها، لتقوى من جديد، “أحيانا من شدة ما ألَمَّ بى من أوجاع وآلام كنت أغمض عيني، متمنية ألا أفتحها على الدنيا مجددًا، فلا راحة من هذه الآلام التي تنخر في جسدى سوى بالموت”، كانت سرعان ما تتقوى من جديد، حتى قررت أنها سوف لن تخبر أحدًا بأنها مرضت بالسرطان إلا حينما تشفى منه تمامًا، “هذه الثقة كنت أستمدها من دعوات بناتى وإخوتي”.

في الأيام الأخيرة بدأ جسدها يميل إلى النحافة، اضطر الأطباء إلى استئصال أجزاء من عضلات جسدها، حتى إنها حينما عادت إلى البرلمان في أول يوم عقب عودتها من السفر، سقطت على السلم.. إلى جانب الهزال الذي أصابها بسبب فقدان الشهية والعزوف عن شرب المياه، وهى أعراض شائعة للكيماوي، تساقط شعر رأسها وحاجبيها، “بدأت أرتدى الباروكة كثيرًا، ماعدا في جلسات العائلة”.

أنيسة حسونة بعد السرطان هي أنيسة حسونة قبل السرطان، «مازلت أميل إلى التفاؤل وحب الحياة، وهذا يعد سببًا رئيسيًّا في شفائي».

ولدت أنيسة في يناير عام 1953 بالقاهرة، وحصلت على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة، ثم شغلت العديد من المناصب، منها مدير عام منتدى مصر الاقتصادى الدولي، وملحق بوزارة الخارجية، ورئيس مجلس إدارة وأمين صندوق جمعية “الباجواش المصرى للعلوم”، والحاصل على جائزة نوبل عام 1995، أيضا تم اختيارها من قبل مجلة “إريبيان بيزنس”، ضمن 100 أقوى امرأة عربية في العالم، وذلك عام 2014.
الجريدة الرسمية