رئيس التحرير
عصام كامل

العلم.. والدين.. والعمل


وردت كلمة "العلم" في القرآن الكريم مرارا كمصطلح على "الدين" نفسه، الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد (ص).. تأمل قوله تعالى: "ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير" (البقرة: ١٢٠)، وقوله أيضا: "والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا" (آل عمران: ٧)، وغير ذلك كثير.. ويشمل الدين العقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق والآداب.. إلا أنها تستعمل لدى الغالبية من العلماء بمعنى الأحكام العملية دون الاعتقادات القلبية، حيث يُوصف الإسلام أنه عقيدة وشريعة.. وتعتبر الصلاة، وأحكام الزكاة، والصيام، والحج، والعدل، والإحسان في كل شيء، وبر الوالدين، وإيتاء ذو القربى، والجهاد، والشورى، وتحريم الربا والزنا والخمر والميسر والغيبة والنميمة، وقطع يد السارق، وعدة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها، والتطهر، وإلقاء السلام ورده، وآداب الأكل والشرب، وخصال الفطرة..إلخ، كل ذلك يعتبر تشريعا.


لذا، كان للعلماء مكانة ومنزلة كبرى عند المولى سبحانه، على اعتبار أنهم يرشدون الناس إلى ما فيه خيرهم وفلَاحهم في الحياة الدنيا والآخرة.. يقول تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" (المجادلة: ١١).. وكما وصف الله تعالى "الدين" بالعلم، فقد ضمنه سبحانه ما يحفز الإنسان ويشجعه، بل يدفعه إلى البحث، والتأمل، والتفكر، وإعمال العقل، إرشادًا وتوجيهًا له بالسعي بما يحقق له السعادة في الدارين.. يقول الحبيب محمد (ص): "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز"، أي كن مهتما، جادا، قويا، باذلا أقصى ما وسعك من جهد في تحصيل ما يعود عليك بالنفع.. كما دعا المولى عز وجل إلى العمل والبناء والتعمير، بل إتقان العمل والتفوق والبروز فيه، كما يقول النبي (ص): "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتمه" وفي رواية أن يتقنه...

مع ذلك، يعجب الإنسان لما عليه حال المسلمين اليوم، فهم راضون بالجهل والتخلف الذي خيم على حياتهم في كل مجال وميدان.. لقد كانوا فيما مضى سادة يصدرون العلم والنور إلى أوروبا إبان العصور الوسطى، حيث كانت تعيش في ظلمات الجهل.. انظر إلى أحوالنا هنا في مصر، كانت لنا منتجاتنا التي تفيض عن حاجاتنا، اليوم انقلب الحال، فأصبحنا نستورد أكثر من ٧٠٪ من هذه الحاجات.. ومن ثم، علينا أن نشعر بالخجل، لكن، هيهات.. هيهات.. حتى أبسط الأشياء؛ مثل فوانيس رمضان، وأقلام الرصاص، والجلابيب والطواقي البيضاء والسجاجيد التي نقف عليها للصلاة، كل ذلك نستورده من الصين!

إن انتماء الكثرة الغالبة للإسلام كان يجب أن يكون دافعا لهم للتقدم والرقي، لكنهم أبوا إلا أن ينتموا إليه شكلا لا موضوعا.. يا سادة.. المسألة ليست حماسا كاذبا، أو شعورا زائفا، وعلينا أن نقدم أمثلة جيدة وصورا مشرفة للإسلام.. نريد أن ننكب على العمل الدؤوب ليلا ونهارا، وألا نكل أو نمل في سبيل أن نقدم أفضل ما يكون لوطننا ومجتمعنا وأمتنا، وأن يكون العمل تعبيرا عن صدق انتمائنا للإسلام.. وأن هذا الانتماء خلق منا مبتكرين ومبدعين يشار إليهم بالبنان.. يقودون غيرهم، لا أن ينقادوا لهم.. يفيضون بإنتاجهم على غيرهم، لا أن يعيشوا عالة عليهم..

الجريدة الرسمية