رئيس التحرير
عصام كامل

ربط نهر الكونغو بالنيل ولو طال الزمن


لأسباب غير مفهومة قامت وزارة الري بهجوم عنيف على فكرة توصيل مياه نهر الكونغو بالنيل، وبدلا من الحوار لدراسة أي اجتهاد يوفر لمصر نقطة مياه إضافية، شبت معركة احتكر فيها كل جانب الوطنية والعلم والخبرة حتى وصلت القضية للمحاكم لوأد الفكرة شرعيًا وبالقانون، في مشهد عبثي لا يحدث إلا في مصر.


والحكاية أن الأصابع الإسرائيلية كانت قد ذهبت لتلعب في دول منابع النيل بالعمل والتخطيط لبناء السدود لحجب المياه عن مصر بداية بإثيوبيا ضاربة عرض الحائط بنحو ٣٠٠ اتفاقية دولية، وأصبح من المعروف الآن أن سد النهضة سيحجب نحو ٧٤ مليار متر مكعب من المياه، وهو ما سيؤثر في حصة مصر كثيرًا، وبينما كان الجدل والعبث والفوضى تدفع النشطاء إلى السفر لإثيوبيا بدون وعي ولا خبرة للتحدث باسم مصر بشأن سد النهضة، كانت هناك جهات مصرية تضع البدائل لكيفية مواجهة الأزمة، وكان أن توصلوا إلى إمكانية استخدام الفائض المهدر من نهر الكونغو وتوجيهه للصب في نهر النيل بدلا من ضياعه في المحيط، نحو (٤٢٠٠ متر مكعب في الثانية الواحدة في المحيط الأطلنطي)، مع العمل في نفس الوقت على تنمية دول حوض النيل الشقيقة ومنذ لحظة الإعلان عن الفكرة تعرضت لهجوم حاد وغير مبرر..

وفي هذا الوقت كان هناك وزير شاب للري هو الدكتور مهندس محمد عبد المطلب نجح في عقد ورشات عمل لكثير من المتخصصين، وتم عرض خرائط الأقمار الصناعية والرادارية والأبحاث والدراسات الجيولوجية والذي يعتمد على مد وصلة من نهر الكونغو لتغذية نهر النيل بما لا يقل عن ١١٠ مليارات متر مكعب، بما يتيح زيادة الرقعة الزراعية، وإتاحة الفرصة لاستصلاح مساحات من الأراضي البكر، على جانبي امتداد المشروع، وقام المهندس أحمد عبد الخالق الشناوي بشرح وافٍ عن هيدرولوجية نهر الكونغو، وبحر الغزال، ودراسة مسارات المشروع، ومدى استيعاب نهر النيل للزيادة المتوقعة..

وفي هذه الورش تعرض الخبراء لما يتردد عن التكلفة الباهظة، وأنه مشروع خيالي، رغم أن العوائد الاقتصادية المتوقعة لكل الأطراف أكبر بكثير مما هو متوقع من أي تكلفة، والغريب أن رافضي المشروع هم أنفسهم الذين يروجون لفرية إجبار مصر على دفع مقابل للحصول على الماء، وتمرير فكرة إعادة تقسيم حصص المياه التاريخية، وفِي كل الأحوال فإن علينا تبني استراتيجية أمن المياه على أساس اقتصادي حقيقي، وهو أن تكلفة شق القناة اقتصاديًا مهما كانت مرتفعة فإنها أقل كثيرًا من تكلفة تسليع مياه نهر النيل لمصر، أو تكلفة عام واحد من الصراعات العسكرية بين الدول المعنية لو ظلت بعضها على مواقفها غير القانونية..

علمًا بأنه لا يوجد مصدر للميزة لتعويض النقص والفقر المائي الذي ستواجهه مصر في السنوات المقبلة، بخلاف هذا المشروع، ولتحقيق ذلك لابد من رؤية مصرية واضحة تقوم على الشراكة والصداقة والتنمية ومواجهة المخططات الخارجية، لضرب الاستقرار في مصر وجيرانها، والأمر المؤكد أن هناك استهدافًا شيطانيًا إسرائيليًا يعمل ضد فكرة الماء مقابل التنمية في أفريقيا التي تنتهجها مصر، ثم أن الكونغو ترحب بتزويد مصر بالمياه، وأن الأمر لا يحتاج سوى إقامة عدة سدود على مجرى نهر الكونغو لتغيير المجرى من الشرق للغرب، ليصبح في اتجاه الشمال ومنها إلى مصر، وسيحقق تنمية للكونغو والسودان ويحل أزمة المياه في دارفور للأبد..

ويقول الخبراء إن تنقية مشروع واحد في منطقة جنجة السودانية توفر "مياه" تكفي لزراعة ٣٢ ألف كيلومتر مربع بالسودان، وهذا المشروع عبارة عن تغيير مجرى النهر لمسافة ٢٠ كيلومترًا، ويجمع الخبراء على أن البداية لتلك النهضة بيد السودان، وفي كل الأحوال فإننا في أمس الحاجة لتبني أي فكرة أو اقتراح يضيف لهذا البلد نقطة مياه بدلا من التربص بأي اجتهاد، وإذا كانت مصر قد دخلت النادي النووي فهي في أمس الحاجة للعمل بثقافة الطاقة النووية، والمشروعات العملاقة التي تبني الأمم، ومنها ربط النيل بنهر الكونغو؛ لأن ذلك سيحدث عاجلا أم أجلا مهما طال الزمن.
الجريدة الرسمية