رئيس التحرير
عصام كامل

سلسلة تجارب اقتصادية ناجحة.. التجربة الصينية


استكمالًا لدراسة أهم التجارب الاقتصادية الناجحة ومحاولة الاستفادة منها، كخطوة جدية لتقديم بدائل حقيقية والتأكيد على خصوصية كل دولة نظرًا لاختلاف مقومات الاقتصاد في كل دولة، واختلاف الظروف الداخلية والخارجية لكل دولة، وقد كان سر نجاح هذه التجارب هو مراعاة قادتها لخصوصية دولتهم وعدم السير على نهج أجندات خارجية لا تراعي خصوصية وطبيعة الدولة، واليوم نتناول التجربة الاقتصادية الصينية التي قدمت للعالم تجربة اقتصادية ابهرت العالم ونجحت في فترة قصيرة في تقديم نفسها كإحدى التجارب الاقتصادية، ووصلت بالتنين الصيني إلى مقدمة الاقتصاديات العالمية.


ويمكن تقسيم هذا المقال إلى ثلاثة أقسام؛ يتناول الأول مقدمة عن وضع الاقتصاد الصيني قبل مرحلة التنمية الاقتصادية الصينية، ثم مرحلة التنمية الاقتصادية وعوامل نجاحها، وأخيرًا خاتمة.

أولًا: وضع الاقتصاد الصيني قبل مرحلة التنمية الاقتصادية
شهدت الصين في القرن التاسع عشر العديد من الاضطرابات السياسية والاجتماعية والدخول في حروب وفرض شروط أجنبية عليها خاصة بعد حرب الأفيون (1839-1842)، وكان لهذه الأمور أثرها فى الوضع الداخلي في الصين فقد شهدت الصين حربًا أهلية ضارية بين الحكومة الصينية وميليشيات الحزب الشيوعي في أربعينيات القرن العشرين والتي انتهت بسيطرة الجيش الأحمر على السلطة عام 1949، وإعلان "ماو تسى تونج" قيام جمهورية الصين الشعبية، وهنا بدأت الصين في مرحلة البناء الاشتراكي (1949-1978) بالأطر التقليدية؛ حيث بدأت الدولة تستولي على رأس المال الخاص بالتدريج، وحلت رأسمالية الدولة البيروقراطية بدلًا من الرأسمالية الخاصة، وشهدت الدولة عدة إجراءات منها إلغاء الامتيازات الأجنبية، وتأميم التجارة الخارجية، وتحديد حدود دنيا للأجور ترتبط بأسعار الأرز باعتباره سلعة الغذاء الرئيسية، مما ساعد في السيطرة على التضخم وتطبيق نظام البطاقات التموينية لاستهلاك السلع الأساسية مع تحديد أسعارها.

وفي هذا الإطار اعتمد "ماو تسي تونج" على التخطيط متوسط المدى (الخطط الخمسية) في تحقيق التنمية الاقتصادية والذي يعتبر القاعدة الأساسية التي اعتمد عليها الاقتصاد الصيني حتى الآن، وقد كانت بداية هذه الخطط في 1953، وأنجزت الصين منذ ذلك العام 12 خطة تم تنفيذ خمسة منها في عهد ماو تسي تونج؛ كالآتي:

فقد كانت الخطة الخمسية الأولى 1953-1957 تحت مسمى "المشي على قدمين"؛ الخطة الخمسية الثانية 1958-1962 "القفزة الكبرى إلى الأمام"؛ الخطة الخمسية الثالثة (1966-1970)؛ وقد تضمنت مشروعين خُصص الأول لوضع الخطوط العريضة للإمداد والتموين، وتوفير أساسيات الحياة للمواطنين من غذاء وملبس، وهو المشروع المقدم من لجنة الدولة للتخطيط وتم إقراره في مايو 1964، والآخر لوضع الخطوط العريضة لأحوال التنظيم والذي تمت الموافقة عليه في سبتمبر 1965، الخطة الخمسية الرابعة (1971-1975)، ثم الخطة الخمسية الخامسة (1976-1980)؛ والتي كانت عبارة عن خطة عامة لتطوير الاقتصاد الوطني؛ بمعنى أدق خطة عشرية تتضمن تنمية الاقتصاد القومي (1976-1985)، وعلى الرغم من العواقب الوخيمة لخطة القفزة الكبرى إلى الأمام والثورة الثقافية التي أدت إلى فوضى عامة، فإن كل هذه الأمور جعلت المواطنين الصينيين يعيدون تقييم أوضاعهم وأخطائهم دون العودة إلى الوراء، بل استمروا في نهج التخطيط المركزي والخطط الخمسية لتحقيق تنميتهم الخاصة.

ثانيًا: مرحلة التنمية الاقتصادية
ومع رحيل "ماو تسي تونج" في العام الأول من الخطة الخمسية الخامسة، وبحلول عام 1978 كان ما يقرب من ثلاثة أرباع الإنتاج الصناعي في الصين تسيطر عليه الشركات المملوكة للدولة، حيث منع الشركات الخاصة والأجنبية من الاستثمار وكانت الحكومة تتبع مبدأ الاكتفاء الذاتي؛ واقتصرت التجارة الخارجية على الحصول على السلع التي لا يمكن الحصول عليها في الصين، وقد تسببت تلك السياسة إلى حدوث الركود النسبي ووجود تشوهات واسعة في الاقتصاد الصينين، مما تطلب إلى إعادة النظر في الاستراتيجية التي تتبعها الدولة في الخطط الخمسية، وبالفعل بدأ التغير مع تولى "دينجشياوبينج" زمام الأمور في الصين عام 1978، والذي بدأ مرحلة التنمية الاقتصادية والذي استمر في اتباع نظام الخطط الخمسية التي وضعها من قبله "ماو تسي تونج"، وتتميز تجربة دينج شياو بينج" بالمزاوجة بين اقتصاد السوق والاقتصاد الاشتراكي وهو ما أطلق عليه "اقتصاد السوق الاشتراكي" أو "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية".. نكمل في المقال القادم تجربة التنمية الاقتصادية في الصين.. 
الجريدة الرسمية