رئيس التحرير
عصام كامل

التعليم.. مشروع (استثماري) لم يبدأ بعد!


مع بداية كل موسم دراسي تخرج علينا وسائل الإعلام بـ(مانشيتات) و(تقارير صحفية، ومتلفزة) عن مشكلات العملية التعليمية في مصر، والمخاطر التي تهددها وطرق علاجها، إلى أن أصبحت فكرة تعاطي الأزمة مملة وغير مفيدة، ولم تنجح أبدًا (العملية الجراحية) التي يقوم بها رجال الإعلام وأهل الخبرة، بشكل دوري، لإنقاذ (حياة) التعليم في مصر، فالجسد الضعيف لم يعد قادرًا على التحمل، بسبب كثرة (التشخيص) الخاطئ، وعدم توافر المعدات والأجهزة العصرية، التي قد تعيد الأمل والحياة من جديد إلى روح منظومة التعليم.


قديمًا، حارب عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، من أجل مجانية التعليم، لدرجة أنه هدد بعدم قبول منصب وزير المعارف في حكومة النحاس باشا عام 1950، إذا لم تستكمل الحكومة مشروع مجانية التعليم، الذي كان قد طالب به من قبل، واستطاع خلال توليه وزارة المعارف، أن يطبق مقولته الشهيرة "التعليم كالماء والهواء" ونفذ سياسة التعليم المجاني. وأتاحت مجانية التعليم الفرصة أمام الجميع، للنهوض بالمجتمع وخلق عقول مستنيرة.

وإذا نظرنا إلى التعليم مطلع القرن العشرين، وبين الفترة التي نعيشها الآن، التي تتميز بالعصرية عبر استخدام أحدث التقنيات والتكنولوجيا ووسائل الاتصال، نجد أن أبرز الشخصيات من كبار العلماء والشعراء ورجال الدين والاقتصاد، قد ظهرت إبان الفترة الأولى، رغم أنها اقتصرت على نسبة قليلة جدًا من المتعلمين.

ويأتي اليوم الذي تصبح فيه فكرة مجانية التعليم، التي ناضل من أجلها عميد الأدب العربي، عيبًا، بل إنها في الطريق إلى الاختفاء، فلم تعد الدولة قادرة على دعم المنظومة التعليمية، وانعدمت الثقة في التعليم الحكومي، وهرول أولياء الأمور تجاه التعليم الخاص واللغات، وانتشرت المدارس الأمريكية والفرنسية والألمانية واليابانية، وباتت فكرة تعليم الأبناء مشروعا قوميا للأسرة المصرية، يجب توفير رأس المال الكافي لتنفيذه.

فهناك من يرى أن (الاستثمار) في الأبناء عبر تعليم قوي، يعتبر أحد أهم الأسلحة، في الوقت الراهن، ويعود بالنفع على الأسرة كلها، كما يحقق الأرباح مستقبلًا، بتخريج نماذج عملية قادرة على استيعاب لغة العصر والتعامل بشكل أكثر احترافية مع سوق العمل، لذا فلا توجد أزمة في توفير وتخصيص ميزانية (محترمة)، لهذا الشق.

لذا اتجهت أنظار الكثير من الأسر المصرية نحو المدارس الخاصة، التي تعتمد في طريقة شرحها على الأسلوب الغربي الذي يضع في الحسبان معاصرة المنهج للوقت الحالي، كما أنك لن تجد التكدس الشديد في فصولها، مثل المدارس الحكومية والتي يصل تعدادها إلى 90 طالبًا في الفصل الواحد، بالإضافة إلى انخفاض أجور المعلمين، مما يصعب توفير عملية تعليمية سليمة.

وبالرغم من هذه النظرة المستقبيلة السليمة، إلا أن هناك من لا يقوى على توفير كل هذه الأموال، في بند واحد فقط هو التعليم، فالغلاء استشرى في جسد المجتمع، نتيجة الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المصري، وأصبحت مهمة توفير المتطلبات الأساسية لحياة طبيعية، دربًا من دروب الخيال.

ومن هنا نطالب بإعادة النظر تجاه منظومة التعليم الحكومي، والعمل على إصلاحها وتطويرها بما يتناسب مع ما وصل إليه العصر من علم، مع مراعاة الظروف المادية التي تعاني منها أغلب الأسر المصرية. نعلم أن المعادلة صعبة، وتحتاج إلى دعم أكبر ووقت أطول، من أجل إعادة هيكلة هذه المنظومة، لكن كل شىء ممكن عند توافر الإرادة الحقيقية، إلى جانب وضع خطة تقنية شاملة يشرف عليها متخصصين، وقتها يتحقق الهدف المنشود.

في النهاية، إذا أردنا العبور بمنظومة التعليم إلى بر الأمان، يجب الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا، وباتت فيها منظومة التعليم الأفضل عالميًا، مثل التجارب الأمريكية والألمانية واليابانية والماليزية، وليس غريبًا أن تكون البداية واحدة ومشتركة فيما بينهم، وهي ضرورة تجهيز المدارس بالإنترنت بغرض تجريب وتطوير الأنشطة الدراسية والبرمجيات التعليمية، وتوفير أجهزة حاسب آلي مرتبطة بشبكة الإنترنت في كل فصل دراسي من فصول المدارس، إذا حدث هذا، وقتها نكون بالفعل على الطريق الصحيح.

الجريدة الرسمية