رئيس التحرير
عصام كامل

عاش اللي قال الكلمة بحكمة في الوقت المناسب


في الذكرى الرابعة والأربعين لمعجزة أكتوبر 1973 -ولا أقول حرب أكتوبر– أجدني أتذكر بكل فخر وحب وإكبار وتحية من أعماق قلبي شهداء الوطن الأبرار، الذين جادوا بأرواحهم في هذه الملحمة المجيدة، قدموها لنا عن طيب خاطر لنحيي ونعيش في عزة وكرامة كانتا قد سلبتا بعد انتصار إسرائيل الزائف واستلابهم سيناء الحبيبة في 1967، هؤلاء الشهداء من أبناء قوتنا المسلحة هم خير من أنجبتهم مصر، وهم خير أجناد الأرض الذين تتجلى فيهم أعظم درجات الوطنية والفداء وحب الوطن، والذين تصهرهم الوطنية بودها وحبها وقوتها فلا تعرف فيهم سوى المصري، ولا تفرق بينهم سوى بالرتب العسكرية، لا دين يحول دون حبهم لوطنهم واستشهادهم من أجله..


فقد كان أول من جاد بروحه في الميدان من كبار الضباط هو الشهيد القبطي اللواء شفيق مترى سدراك قائد اللواء الثالث مشاه التابع للفرقة 61 بالجيش الثاني الميداني، الذي جمع جنوده وخطب فيهم، وأخذ يحمسهم بهذه الكلمات:
"إن أبناء مصر من عهد مينا إلى الآن ينظرون إليكم بقلوب مؤمنة وأمل باسم، وقد آن الأوان أن ترفرف أعلام مصر على أرض سيناء، وأنا أعدكم أن كل علم سوف يرفع فوق إحدى مواقع القوات الإسرائيلية في سيناء سيكون موضع إعزاز وتقدير من أبناء مصر وقادتها، ولكل من أسهم في رفع هذه الأعلام، وختامًا أذكركم بقوله تعالى "لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)" صدق الله العظيم..

هكذا تعلم كل من شارك في الحرب أنه لا فرق بين مسلم ومسيحي وأن كليهما إخوة في الوطن وأصحاب مهمة واحدة، وهي الانتصار في حرب الكرامة والتحرير. فقد حقق اللواء شفيق أمجد المعارك الهجومية، ثم معارك تحصين موجات الهجوم الإسرائيلي المضاد قبل أن يستشهد في اليوم الرابع للحرب الذي يوافق يوم 9 أكتوبر 1973 م، وهو يتقدم قواته لمسافة كيلومتر كامل في عمق سيناء، عندما أصيبت سيارته بدانة مدفع إسرائيلي قبل وصوله إلى منطقة الممرات في عمق الممرات، ليلقى أجله ويسهم في رد الاعتبار لمصر والأمة العربية.

وهو أول بطل كرّمه رئيس الجمهورية الراحل أنور السادات في الجلسة التاريخية الوطنية بمجلس الشعب صباح 19 فبراير 1974، وكان اسمه أول الحاصلين من الضباط على وسام نجمة سيناء إكبارًا وتكريمًا لسيرته العسكرية وكفاءته القتالية وقتاله البارز فدية للنصر والأرض والعرض وإخوانه وأهله والوطن.

وكان الرقيب محمد حسين محمود سعد، ابن محافظة القليوبية، أول شهيد في حرب أكتوبر، من صف الضباط وفقًا لإشارات التبليغ من الوحدات الفرعية التابعة للجيش، حيث كشفت عنها مجلة الهلال في عام 1976 ونشرتها ذاكرة مصر المعاصرة على موقعها الإلكتروني، التابع لمكتبة الإسكندرية.

بينما كان المقدم طيار زكريا كمال أول شهيد طيار من الجيش المصري روت دمائه الذكية أرض سيناء يوم 6 أكتوبر وكان قائد سرب سوخوي 7 من اللواء الجوي ٢٠٥، وقد أقلعت ٣٦ طائرة سوخوي بقيادته من بلبيس في الثانية ظهرا من يوم 6 أكتوبر العاشر من رمضان عام 73، واتجهت جميع الطائرات تحت قيادته شرقا على ارتفاع أقل من ١٠ أمتار وسرعه نحو ٩٠٠ كم في الساعة، وما أن اقتربوا من القناة أعطي المقدم زكريا أوامره بانفصال التشكيل كل في اتجاه الهدف المخطط له. وانفصل التشكيل وبقيت ٣ طائرات مع المقدم زكريا وعند عبور القناة ودخول سيناء وابتسامه الإحساس ببداية النصر أصاب صاروخ أرض جو طائرة القائد البطل المقاتل في الساعة الثانية وأربع دقائق ليصبح أول شهيد طيار في حرب أكتوبر ترتوي سيناء بدمائه الطاهرة.

هؤلاء الأبطال هم من سلموا الأمانة لمن تلاهم وهكذا، شهيد يسلم شهيدا وبطل يسلم بطلا، وستظل على ذلك إن شاء الله تحت قيادة الرئيس السيسي.

وأجدني هنا أتذكر الرئيس محمد أنور السادات صاحب قرار العبور بكل فخر واعتزاز وكلما سمعت عبد الحليم حافظ يغني أغنية "عاش" من كلمات محمد حمزة، ولحن بليغ حمدي، أترحم على ذلك البطل الجسور، واستمع إلى خطابه التاريخي أمام مجلس الشعب الذي ألقاه في يوم 16 أكتوبر 1973.. فأطرب للعبارات الحماسية الفخرية التي يستحقها أبناء مصر من القوات المسلحة وتطربني نغمة النصر والعزة ورنة الفخر في صوت السادات رحمه الله وهو يقول: "لقد تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب، واجتياح خط بارليف المنيع، وإقامة رءوس جسور لها على الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه كما قلت في ست ساعات – انظر له وهو ينطق لفظ ست ساعات ستجد الفخر والسيادة مع الاستهانة والسخرية من العدو تخرج من فمه- لقد كانت المخاطرة كبيرة، وكانت التضحيات عظيمة، ولكن النتائج المحققة لمعركة هذه الساعات الست الأولى من حربنا كانت هائلة"..

فقد العدو المتغطرس توازنه إلى هذه اللحظة، استعادت الأمة الجريحة شرفها فغيرت الطريقة الثلاثية للشرق الأوسط، وإذا كنا نقول ذلك اعتزازا وبعض الاعتزاز إيمان، فإن الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا وباسم هذا الشعب، وباسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة، ثقتنا في قيادتها التي خططت– أشار السادات إلى المشير أحمد إسماعيل الذي كان جالسا في المجلس فوقف مؤديا التحية العسكرية يتلقى تصفيق النواب، الأمر الذي يدل على حرص السادات إلى نصر أكتوبر لأصحابه رغم أنه على رأس هؤلاء المخططين ولولا حكمته وحنكته ودهاؤه ما كانت هذه الحرب من الأساس- وثقتنا في ضباطها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم، ثقتنا في إيمان القوات المسلحة وثقتنا في علمها، ثقتنا في سلاح هذه القوات المسلحة وثقتنا في قدرتها على استيعاب هذا السلاح، أقول باختصار إن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف أنه قد أصبح له درع وسيف".

والجملة الأخيرة توضح ما يدل على قيمة وأهمية القوات المسلحة لمصر والأمة العربية، وهو ما يفهمه كل قائد عسكري مثل السيسي الذي حرص على تدعيم هذا الدرع، وتقوية هذا السيف، بما انضم للقوات المسلحة من أحدث الأسلحة كحاملتي الطائرات والصواريخ والغواصات والطائرات والدبابات إلخ، من أحدث الطرز ليظل الدرع قويا والسيف بتارا. وأجدني أتذكر مقولة السادات في خطابه:
"وعليه-أي العالم- أن يعرف الآن أن هذه المنطقة قادرة على أن تمنح وتمنع، ولقد كنا نطمئن بعطف العالم ونحن الآن نعتز باحترامه، وأقول لكم بصدق وأمانة أنني أفضل احترام ولو بغير عطف على عطف العالم إذا كان بغير احترام".
الجريدة الرسمية