رئيس التحرير
عصام كامل

ماسبيرو ومذلة السؤال


البحث عن ضالتنا في الإعلام المصري مستمر منذ سنوات، وضالتنا هي إعلام متوازن يكون عين المواطن على الحكومة وعين الحكومة على المواطن، إعلام يعكس الواقع دون تهويل أو تقليل، إعلام يثق فيه المسئول فلا يبخل عليه بمعلومة أو إطلالة، ويثق فيه المواطن فلا يذهب لغيره.. نبحث عن إعلام يبادر بالفعل.. لا أن يكون رد فعل، إعلام يخاطب الخارج بالحجة والبرهان.. لا بالتطاول والعشوائية، يقتحم أوكار المتربصين بمصر في الخارج.. ولا ينكفئ على نفسه ويخاطب الداخل.


نبحث عن ضالتنا منذ سنوات وهي بين أيدينا، هي ليست في الإعلام الخاص، فلكل صاحب قناة قناعاته وتوجهاته، ولن يفضل مصلحة الوطن على مصلحته الخاصة، ولن يستطيع أحد أن يملي عليه شروطًا، فقط.. يحركه الوازع الوطني، لذلك كانت ضالتنا في إعلام الدولة، لن أتحدث عن عشرات القنوات والإذاعات التي تبث من ماسبيرو.. فقط أتحدث عن قناتين لو تم النهوض بهما لتجنبنا مذلة سؤال الإعلام الخاص.

في ماسبيرو.. قناة «النيل للأخبار» التي تأسست لتنافس الجزيرة القطرية، وبالفعل كان لها من نسب المشاهدة ما لم يتوفر لغيرها، ماذا حدث لهذه القناة ولماذا توارت؟ لا أحد يعرف، فالقناة التي تخرج فيها أغلب المذيعين الذين يعملون بالقنوات الخاصة.. مازالت موجودة في ذلك المبنى المتخم بالمشكلات، ومازالت تبث من نفس الاستوديو الذي أراه الأفضل في الشرق الأوسط من حيث الموقع والتجهيزات، حتى الفنيين الذين شاركوا في تأسيس القناة مازالوا موجودين يتحسرون على الزمن الذي مضى، أما مؤسسها الإعلامي الكبير حسن حامد فقد أسدل الستار على مهنيته وذكائه وخبراته دون سبب معروف.

ما الذي ينقص هذه القناة حتى تعود إلى رونقها الذي كانت عليه؟ ولماذا لا يهتم بها القائمون على إعلام الدولة والذين اكتفوا بالفرجة على تراجعها؟ كنت "ومازلت" أنتظر من حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أن يعيد الروح لهذه القناة ليكون ذلك أهم إنجازاته، خاصة أنها ضمن قطاع كان يرأسه طوال السنوات الماضية، لكنى لم أر ساكنًا تحرك في القناة رغم أن كل الخيوط أصبحت في يديه، وقراره كرئيس هيئة لن ينتظر الموافقة من أحد، حتى المسئولين انصرفوا عن النيل للأخبار وذهبوا إلى غيرها، لا لشيء.. إلا لغياب بريق القناة التي تجمع حولها كل فئات المجتمع عندما كانت الأبرز، بل إن صوتها وصل إلى الخارج فتواصل معها المصريون من أنحاء العالم.

إذا أردنا إعلامًا يخاطب المصريين والعرب.. علينا أن نعيد النظر في "النيل للأخبار"، وهناك طرق كثيرة لضخ الدماء في شرايينها، لو وضعت هذه القناة بكل ما فيها من إمكانيات تحت تصرف القطاع الخاص لوجد فيها المواطن والمسئول ضالتهما، لا نطالب بوضع القناة تحت تصرف القطاع الخاص، فقط نريد أن تدار بفكر القطاع الخاص، لا بالفكر الموجود حاليًا، فما نراه ما هو إلا إهدارًا للمال العام واستسلامًا لواقع جعل إعلام الدولة عبئًا على المواطن والدولة معًا، وأيضًا على العاملين فيه.

أما القناة الثانية فهى النيل الدولية المعنية بمخاطبة الخارج، إعادة النظر في هذه القناة أصبح ضرورة، لأن إعلامنا يتحدث مع بعضه البعض وفشلنا في إيصال صوتنا للخارج، النيل الدولية لديها من الإمكانيات هي الأخرى ما يؤهلها لمخاطبة الخارج بلغته، وهذه هي الوسيلة الوحيدة ليصل صوتنا إلى العالم، لكن الاستسهال وحالة الاسترخاء جعلت هذه القناة غير موجودة على خريطة القنوات الأكثر مشاهدة، ولن يظهر تأثيرها لا في الداخل ولا في الخارج وتحولت إلى مخزن للكفاءات، وزادت من أعباء ميزانية اتحاد الإذاعة والتليفزيون.

لا نطالب بإعادة النظر في كل قنوات ماسبيرو.. فتلك قضية شائكة، فقط.. في هاتين القناتين حتى نحفظ ماء وجه إعلام الدولة الذي انصرف عنه المسئولون قبل المواطنين، ولم يعد تأثيره يتخطى جدران ذلك المبنى العتيق المطل على نيل القاهرة.
basher_hassan@hotmail.com
الجريدة الرسمية