رئيس التحرير
عصام كامل

الثماني سنوات أهم إنجاز للسيسي


أتمنى أن يبادر الرئيس السيسي بقطع الطريق على المتهافتين والإعلان عن احترام الدستور الذي تم انتخابه، وفقًا لنصوصه وتأكيد رفض تعديل النص الخاص بمدد الرئاسة لتظل أربع سنوات بحد أقصى دورتين، وفي ظني سيكون تمسك الرئيس بالرحيل بعد انقضاء الثماني سنوات من أهم إنجازاته السياسية، وسيدخل التاريخ كرجل مصلح بالقضاء على نظرية الفرعون الذي لا يرحل بصورة طبيعية عن كرسي الحكم، خاصة أن الرجل أطال الله في عمره سيبلغ الثامنة والستين في عام ٢٠٢٢، وقد أمضى منها نحو ١٥ عامًا أشغالًا شاقة في إدارة الدولة المصرية في أحرج أيامها ونجح بإقتدار في تثبيت أركانها والحفاظ عليها من التفتت والفوضى والانقسام، وأعاد لها الهيبة والاحترام والعلاقات الدافئة في المحيط العربي والأفريقي والدولي.


وأرجو مخلصًا لصالح الرجل ألا يستمع لترزية القوانين وفرقة صناع الفرعون بتزيين تعديل الدستور لمد الفترة الثانية، خاصة أن التاريخ يعيد نفسه وهم أنفسهم الذين زينوا الأمر للسادات في تعديل الدستور لمدد أخرى ولم يستفد منها، وكانت فرصة لمن جاء بعده وكانت هي نقطة الضعف التي قضت على مبارك بالقضاء في المنصب ٣٠ عامًا، فتوحد مع الدولة وانتشرت مقولة لا يوجد بديل، مما أدى لتجريف الكفاءات وانهيار الأحزاب السياسية، وأطلق يد أجهزة الأمن في تشويه أي بديل محتمل، حتى جاء زمن على المصريين ونصبوا محمد مرسي رئيسًا فقد كان الإخوان هم الأكثر استعدادًا عكس كل الأحزاب والمؤسسات الأخرى التي كانت ترى في طرح البديل خيانة للنظام وجرم يستحق اللعنة، وربما لهذا تحوط كتبة الدستور حصنوا التعديل المتعلق بالرئاسة ونصت المادة ٢٢٦ على أنه لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية أو بمبادئ الحرية أو المساواة ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات..

أي أن تلك المادة وضعت حظرًا نهائيًا على رئيس الجمهورية والبرلمان، وأي محاولة مهما كانت منطقية ولها مخرج ومبرر دستوري ستعتبر تحايلا وانتهاكًا في أول اختبار للدستور، الذي لم يجف الحبر الذي كتب به، وانتهاكًا لسيادة القانون ودولة المؤسسات، ويصل الأمر لبعض الفقهاء الدستوري إلى أنهم يعتبرون اللعب في تلك المادة انقلابًا دستوريًا، خاصة إذا تم ذلك في عام الانتخابات، ثم إن الذين يقترحون ذلك يخونهم الذكاء السياسي وربما يحملون الرئيس والبرلمان ما لا يريدونه، ويضعون الجميع في وضع سياسي حرج ومأزق دستوري وانتقاصًا لإرادة الشعب الذي وافق في استفتاء عام..

ثم الأخطر من كل ذلك أن أحداث يناير والكوارث التي تلتها كانت بسبب بقاء مبارك في الحكم ٣٠ عامًا، إضافة إليّ مصيبة محمد مرسي وجماعته التي عجلت برحيله والثورة عليه كانت بسبب التعديلات الدستورية التي اقترحها، ولا تزال التجربتان ساخنتين ودروسهما عظة لنا جميعا بألا نكرر نفس الأخطاء وننتظر نتائج مختلفة بغض النظر عن كل ما قيل بالنوايا الحسنة والظرف المضطرب عند وضع الدستور، ثم الأهم أنه لا يمكن الحكم على نصوص الدستور قبل تطبيقها، وهناك مواد كثيرة لم تختبر ومواد لم يتم تفعيلها لعدم صدور التشريعات المنظمة لها.

والكل يعرف أن هذا الدستور تمت صياغته بعد ثورة ٣٠ يونيو، وكانت محاولات الإخوان للمغالبة وليست المشاركة ماثلة في الأذهان، ولم يكن اختفاء الجماعة وشبح استيلائهم على السلطة كافيًا لتطمئن كل المؤسسات، فكان أن قامت المؤسسات بضغوط هائلة لتحصين نفسها من أي مخاطر محتملة في المستقبل، جاء ذلك في تحصين منصب وزير الدفاع من هوى السلطة وعندما نشب صراع بين لجنة كتابة الدستور والقوات المسلحة تم الاتفاق على أن تكون في باب الأحكام الانتقالية، وكذلك تم تحصين منصب شيخ الأزهر، وهكذا تحوط الدستور للمستقبل بالحفاظ على تلك المناصب الحساسة وحسم مسألة مدد الرئاسة، وبقي أن نعرف أن القريبين من أحداث كتابة الدستور يعرفون أن المواد التي يرفضها البعض الآن ويطالبون بتعديلها مثل مادة سحب الثقة من رئيس الجمهورية هي في الأصل عبارة عن مقترح أوصى به وزير الدفاع أيامها المشير عبد الفتاح السيسي حتى لا يتكرر ما حدث في ٣٠ يونيو، بحيث تكون لدينا الأدوات الدستورية التي تمكنا من التغيير بأدوات ديمقراطية، وذلك تحسبًا للمستقبل، وتلك هي مهمة الدساتير بغض النظر عن محاولات فرق النفاق، ولكل هذا أناشد الرئيس قطع الطريق عليهم لأن أهم إنجازاته سوف تكون لخطة تسليمه السلطة لخلفه في يونيو ٢٠٢٢..
الجريدة الرسمية