رئيس التحرير
عصام كامل

«الزي المدرسي» همٌ بالليل ومذلة بالنهار


بدأ موسم معاناة الأسر المصرية الكادحة الذي يسمى موسم بدء الدراسة، وقد جاء الموسم هذا العام محملا بأعباء لا طاقة للمواطنين بها، فقد شارك ذلك الموسم موسم آخر هو عيد الأضحى، وكانت الطامة الكبرى في تحرير سعر الصرف الذي جعل الجنيه يتضاءل بصورة كبيرة؛ مما رفع من الأسعار بصورة غير مسبوقة، فوجد رب الأسرة أنه يصارع في الحياة مصارعة محسومة النتيجة مقدما لصالح الحكومة والظروف الضاغطة فهو الخاسر دائما، مثل إيكاروس الذي صارع الطبيعة وهرب منها بأجنحة مصنعة، وظن أنه نجا لكنه سقط صريعًا بعد أن أذابت أشعة الشمس الشمع المثبّت لجناحيه، أو دون كيشوت الذي صارع طواحن الهواء فخسر حتما، فمن أين له أن يدبر مصروفات العيد وقد وصل سعر كيلو اللحم إلى 140 جنيها، ثم مصروفات الدراسة بما تحويه من كتب وكشاكيل وصل بعض أنواعها إلى 45 جنيها للكشكول الواحد، وأقلام وحقائب مدرسية وصلت أسعار أقلها إلى 120 جنيها، وأحذية وصل أقلها إلى 100 جنيه، ومصروفات دراسية، ناهيك عن الدروس الخصوصية أو المجموعات المدرسية إلى آخر ذلك الهم الضخم الذي يكبل المواطن ويكبده مشقة لا قبل له بها.


وفي خضم تلك المعمعة الكبرى التي يخوضها أولياء الأمور فوجئوا بضرورة مواجهة معركة جانبية متعلقة بالزي المدرسي الذي فرضته المدارس على طلابها، ورغم أن الغالبية من الأهالي كانت تعتمد على الزى الذي ابتاعوه العام الماضي، فإنهم فوجئوا بتصميمات جديدة، جعلت من الزى القديم غير صالح للاستخدام هذا العام.. وبالطبع الزي المدرسي مطلب لا يمكن التغاضي عنه أو تأجيله، وتحدد المدارس الخاصة والحكومية الزى كل عام ليكون موحدًا، ولكن يختلف لونه في كل مرحلة تعليمية سواء ابتدائية أو إعدادية أو في المرحلة الثانوية أو للمدارس المشتركة أو الخاصة بالبنين أو البنات، وهذا أمر طبيعي لكن غير الطبيعي أن تطالب المدارس المواطنين بشراء زي مختلف في تصميمه عن العام السابق كل عام تقريبا، فولي الأمر يعتمد على أن يستخدم ابنه الزي الذي اشتراه في العام الماضي للعام الجديد، خاصة أنه من المفترض أن يكون الزي في المرحلة التعليمية الواحدة موحدا، فيستطيع طالب الصف الأول الإعدادي - مثلا - أن يستخدم زيه حتى الصف الثالث الإعدادي، أو يستخدم زي أخيه الذي كان في الصف الثالث الإعدادي، لكن تدخل عنصر التجارة المحرمة هنا حرم أولياء الأمور من هذه الميزة، فقد فرضت بعض المدارس – أو أغلبية المدارس على التحديد – على الطالب تغيير لون الزي المدرسي هذا العام عن سابقه.

بل إنها لم تكتف بتغيير اللون الذي من الممكن أن يشتري ولي الأمر الزي بألوانه المطلوبة من أي مكان بسعر معقول، لكن المدارس فرضت كذلك مع تغيير اللون تغير التصميم؛ بمعنى أن يكون القميص منقطا أو مخططا بطريقة محددة لا يستطيع ولي الأمر أن يجده سوى في مكان واحد تحدده له المدرسة، كما أن بعض المدارس تغير تصميم ولون الزي في كل صف دراسي، فطالب الصف الأول له زي محدد يختلف عن طالب الصف الثاني والثالث؛ بما يمنع طالب الصف الأول من استخدام زيه في الصف الثاني، وكل ذلك في إطار المصالح الخاصة التي يحققها مديرو المدارس مع مصنعي الزي المدرسي، وكل ذلك فوق كاهل ولي الأمر ودون أدنى رقابة من وزارة التعليم أو مديرياتها أو إداراتها.

فيقوم مديرو المدارس كل عام بالاتفاق مع أصحاب مصانع الملابس والمحال لإنتاج الزى المدرسي الذي يتم تغييره سنويا لإجبار أولياء الأمور على شراء الزى الجديد من أماكن معلومة وموحدة، وهو ما يزيد حجم المبيعات، وتحفظ إدارة المدرسة حقها ونسبتها من قيمة المبيعات الإجمالية لأصحاب شركات توريد الزى.

وأكد خبراء اقتصاد أن أسعار الزى المدرسي زادت هذا العام بمعدل 3٠٪ مقارنة بأسعار العام الماضي، ما خلق حالة من الاستياء بين أولياء الأمور.. وقد سعت الحكومة العام الماضي بالتعاون مع الإدارات التعليمية لتخفيف الضغط عن كاهل أولياء الأمور، وأقامت معارض لبيع مستلزمات المدارس التي يحتاجها الطالب من حقائب مدرسية وزى وأدوات مكتبية وأحذية بأسعار مخفضة ٢٥٪ عن السوق الموازية، إلا أن هذا لم يحدث هذا العام إلى الآن، حيث أقيم فقط معرض للسلع والأدوات المدرسية داخل سوق «الترجمان» بحي بولاق أبو العلا، لكنه لم يشمل الزي المدرسي، ولم يركز على الأدوات المدرسية، بل على السلع المعمرة والمواد الغذائية، ما جعل الأهالي عرضة لاستغلال تجار المحال. 

ويتراوح سعر الزى المدرسي في مدارس القاهرة الشعبية بين 80 و120 جنيها للمرحلة ما قبل الابتدائية، ويزيد ليصل إلى 180 جنيها في المرحلة الابتدائية ويرتفع إلى 200 جنيه في المرحلة الإعدادية، ليصل إلى 300 جنيه في المرحلة الثانوية حسبما أكدت صاحبة محل متخصص في بيع الزي المدرسي.

وكشف أحد مديري المدارس أنه من المفترض أن يتم تغيير الزى كل ثلاث سنوات حسبما أقرت الوزارة في قرارها، وأن يكون الزي من لون وشكل وخامة موحدة، ويتم ذلك بالتنسيق بين مجلس الأمناء ومجلس إدارة المدرسة، وأحيانا تنتجه الوحدة المحلية بالمدرسة، ولكن كل ذلك طبعا لا ينفذ في ظل وجود طبقة من المديرين لا ضمير لديها، تستغل الظروف لتحصل على أرباح طائلة سنويا من الاتفاق مع أصحاب مصانع الزي المدرسي، وتضرب بالقرارات الوزارية عرض الحائط لعدم جديتها أو متابعتها، ولم تعد الوحدة المنتجة في المدارس تنتج شيئا في ظل عدم الاهتمام بها، وانعدام الرقابة والمحاسبة، وعدم التشجيع.
الجريدة الرسمية