رئيس التحرير
عصام كامل

المحبة أقوى من الخوف.. المحبة هى المنتصرة


اختار الإرهابيون الذين فجروا القنابل فى ماراثون بوسطن، أقدم سباق للجرى فى العالم كله، ليبعثوا برسائل الكراهية والتى تمتلئ بالعنف والخراب والدم.

ماراثون بوسطن للمسافات الطويلة بدأ عام 1897، ويقام فى ثالث يوم اثنين من أبريل كل عام، وهو اليوم الذى يشكل العيد الوطنى لولاية ماسوشوتس، هذا العام كان له حيوية خاصة حيث شارك فى الماراثون 27 ألف عداء من جميع أنحاء العالم، جاءوا لتكريم الـ 26 تلميذ الذين قتلوا فى مدرسة نيو تاون العام الماضى على يد شخص مختل، فإذا بالماراثون يمتلئ بالدماء والسيقان المبتورة بفعل شخصيات إرهابية هذه المرة.

بعيدا عن التحليلات السياسية والتى سوف نتناولها فى مقالات قادمة بعد ظهور الحقيقة حول هذا العمل الجبان، لقطة إنسانية واحدة هزت بعمق كل المتابعين لهذه المأساة، وهى لحظة استشهاد الطفل مارتن بيل ريتشارد ذو الثمانية أعوم، هذا الطفل كان مع أسرته يتابعون السباق حيث أن والده من المتنافسين فى العدو، وعند لحظة وصول والده لنقطة النهاية بعد ساعات من الجرى، انطلق الطفل راكضا فرحا مسرعا لمعانقة والده، فإذا بالقنبلة الغادرة تمزق جسده الطفولى البريء.

هذا الطفل رغم سنه الصغير إلا أنه كان داعية سلام، وتناولت وسائل الإعلام المختلفة صورته وهو يحمل لافتة مكتوبا عليها: (لا للمزيد من أذية البشر.. السلام) No more hurting people.. Peace.

فى مساء نفس اليوم، الاثنين، نشر والد الطفل بيل ريتشارد رسالة قال فيها "توفى ابنى الغالى متأثرا بجروح أصيب بها فى تفجير بوسطن، زوجتى وابنتاى يتعافون من جروح خطيرة، نشكر عائلتنا وأصدقاءنا الذين نعرفهم وأولئك الذين لم نلتق بهم أبدا على تعزياتهم وصلواتهم.

بعد نشر قصة الطفل فى وسائل الإعلام تجمع فى مساء اليوم التالى الثلاثاء أكثر من ألف شخص فى الحديقة القريبة لمنزل الطفل، وأحيوا سهرة تكريم وتخليد للطفل وتعزية لأسرته بآلاف الشموع التى ملأت المكان، والتى غرسوها فى كل بقاع الحديقة وسط الصلوات والترانيم والأغانى الوطنية، على مستوى المدينة كلها كان رد الفعل رائعا وسريعا، حيث امتلأت الحدائق العامة والكنائس بأهازيج الحزن والترانيم والشموع والأغانى الوطنية. 

فى كنيسة شارع أرلنجتون القريبة من مكان التفجير امتلأت الكنيسة على آخرها بعدد يزيد عن 700 شخص وسط البكاء والغضب النبيل والصلوات والدموع، وقال راعى الكنيسة كيم هارفى: (نجتمع اليوم وسط الغضب وقلوبنا منكسرة، لكن المحبة أقوى من الغضب، المحبة أقوى من الخوف.. المحبة هى المنتصرة).

عندما قرأت هذه الكلمات الرائعة قارنتها بما يحدث فى بلادنا فى مثل هذه المناسبات من دعوات الثأر والانتقام والكراهية والتحريض، ويخرج المشاركون فى مثل هذه المناسبات بعد صيحات الانتقام وشعارات الكراهية وأغانى القتال الحماسية وقلوبهم مليئة بالبغض والكره والعدائية، ولهذا تسير مجتمعاتنا فى دوائر مغلقة مليئة بلون الدم.

حقا إن المحبة أقوى من الخوف ومن الموت ومن الهاوية، المحبة تطرح الخوف إلى الخارج وتجعل الإنسان رغم الحزن النبيل العميق إلا أنه يفهم ويدرك إرادة الله فى حياة البشر، المحبة تجعل الإنسان يتجاوز الخوف ويعود لممارسة حياته الطبيعية. المحبة تجعل الإنسان يصفح ويتسامح ويترك العدالة الأرضية والسمائية تأخذ مجراها.

المحبة لا تسقط أبدا وتنتصر على كل الشرور وعلى كل مكائد الشيطان ببساطة؛ لأن المحبة هى الله، والله لا يسقط أبدا بل يسحق الشيطان تحت أقدامنا، ولهذا فإن الحقيقة المؤكدة هى أن المحبة تنتصر فى النهاية رغم آلام الزمان الحاضر.

يا إلهى، كم أشعر أننى تأثرت بثقافة بلادنا التى تستمرئ عدم التسامح وتتتشنج أمام الصفح والغفران للمسيئين، يا إلهى كم أحتاج إلى محبتك التى هى أعظم عطية منك للبشر، كم أحتاج إلى محبتك لكى انتصر على نفسى وعلى ثقافة التدمير الذاتى التى تتغلغل فى بلادنا، كم أحتاج إلى محبتك من أجل سلام نفسى وروحى وعقلى وحواسى بعيدا عن الخوف والقلق والاضطرابات والحزن والاكتئاب واليأس.

كم أحتاج إلى محبتك لأننى أكذب وأخدع نفسى إن قلت إننى أعرفك بدون أن يمتلئ قلبى بهذه المحبة، يا إلهى ساعد عقلى المحدود وقلبى الصغير ليستوعب محبتك الكبيرة العظيمة.
الجريدة الرسمية