رئيس التحرير
عصام كامل

الإخوان يبددون الفرصة الذهبية!


تعودت أن أتلقى عديداً من التعليقات النقدية التى تنشر على شبكة الإنترنت على مقالاتى التى أنشرها كل يوم خميس فى جريدة الأهرام وجرائد عربية أخرى.


وقد علق أحد قرائى الكرام على مقالتى الأخيرة وهو الأستاذ "فايز وينر" بعنوان "المفاجأة ورد الفعل" وقال فى تعليقه ما نصه "لم يتوقع أحد أن يحدث ما حدث من تتابع سريع للأحداث، لا الثوار، ولا الإخوان، ولا الشعب، ولا الإعلام. وكان ذلك من أسباب التخبط.

فقد فوجئ الثوار بسقوط النظام، وفوجئ الإخوان بالفرصة الذهبية، وفوجئ الشعب بسرقة الثورة!!" أعتقد أن هذا التعليق الموجز قد لمس كبد الحقيقة!
وذلك لأن الثوار الذين خرجوا فى 25 يناير فى مظاهرة احتجاجية ضد الممارسات الخاطئة لوزارة الداخلية مع المعارضين السياسيين طالبين إقالة وزير الداخلية، لم يتصوروا للحظة واحدة أن هذه المظاهرة المحدودة التى اجتهدوا فى الحشد الإلكترونى لها سينضم لها على الفور ملايين المصريين من كل الفئات والطبقات.

ليس ذلك فقط، بل إن المظاهرات المليونية سرعان ما رفعت سقف المطالب الثورية وأصبح الشعار المدوى هو "الشعب يريد إسقاط النظام". وفوجئ الثوار بالفعل أن النظام المستبد قد سقط فعلاً بعد ثمانية عشر يوماً من بدء المظاهرات.

غير أن الإخوان المسلمين فوجئوا هم أيضاً بعد وقائع مثيرة جرت فى المرحلة الانتقالية أنهم – بعد أن نجحوا فى حشد الجماهير فى الاستفتاء الشهير حول الدستور أولاً أو الانتخابات أولاً- أنهم حصلوا على الأكثرية فى مجلسي الشعب والشورى. وزادت المفاجأة بأن نجح مرشح حزب الحرية والعدالة الدكتور "محمد مرسى" فى تولى منصب رئيس الجمهورية بعد انتخابات مشكوك فى إجراءاتها.

ومعنى ذلك أن جماعة الإخوان المسلمين قد واتتها الفرصة الذهبية لحكم مصر، وهى فرصة لم يتخيلوا أنها يمكن أن تسعى إليهم بعد ثمانين عاماً منذ الترويج لمشروعهم والذى كان شعاره "الإسلام هو الحل!" إلا أن المفاجأة الثالثة فقد وقعت على رأس الشعب كالصاعقة، لأنه فوجئ بأن الإخوان المسلمين قد سرقوا منه ثورته الأصيلة وشرعوا ينفذون برنامجهم الخاص بعيداً عن تطلعات وآمال الشعب.

ولكن دعونا نقف على الطريقة التى بددت بها جماعة الإخوان المسلمين الفرصة الذهبية التى سنحت لهم لحكم مصر، نتيجة الأخطاء الجسيمة التى ارتكبها الثوار والتيارات الليبرالية واليسارية.

ما أن اعتلى الرئيس "محمد مرسى" عرش مصر باعتباره أول رئيس مصرى منتخب حتى نكث وعوده التى بذلها بسخاء فى لقاء "فيرمونت" الشهير الذى اجتمع فيه مجموعة متميزة من أعضاء التيارات الليبرالية واليسارية وبايعوه رئيساً، نكاية فى خصمهم الفريق "أحمد شفيق" فى مقابل أن يمارس الحكم – لو نجح- بطريقة توافقية.

وقد أدرك هؤلاء من بعد أنهم اندفعوا لتأييد الدكتور "مرسى" مرشح الإخوان المسلمين بسذاجة مفرطة وبغباء سياسى نادر، وهو الذى دفعنا إلى أن نكتب يومها مقالاً بعنوان "رهان ليبرالى خاسر".

لم يكتف الدكتور "مرسى" بنكث وعوده ولكنه أسفر عن وجهه بالتدريج باعتباره ديكتاتوراً مستبداً، ويشهد على ذلك الإعلان الدستورى الباطل الذى منح فيه لنفسه كل سلطات الدولة، تماماً كما منح لنفسه كل أوسمة الدولة ونياشينها بدعوى أن هناك قانوناً "غبياً" يسمح لرئيس الجمهورية أن يمنح لنفسه كل أوسمة الدولة، وكأن مصر إحدى جمهوريات الموز فى أمريكا اللاتينية!
ما علينا! سرعان ما دخل المرشد العام ومكتب الإرشاد وقيادات الجماعة والدكتور "مرسى" فى معارك متتالية مع القوات المسلحة والقضاء والإعلام، بل إنهم أعلنوا- بطريقة بالغة الغباء -الحرب على الشعب نفسه!

ويشهد على ذلك المعارك الدامية للحصول على السولار والبنزين، وتصريحات الوزير الإخوانى بأنه لن "يصرف" لكل مواطن سوى ثلاثة أرغفة يومياً، أما الكهرباء فقد أوصى الدكتور "مرسي"- بحكم عطفه البالغ على شعبه المسكين – وزير الكهرباء بتوزيع الظلام بالعدل والقسطاس على أحياء المدن المختلفة حتى يحس الناس بثمار ثورة 25 يناير!

يضيق المقام عن ذكر كل الوسائل الإبداعية التى طبقها قادة الإخوان المسلمين لكى يبددوا الفرصة الذهبية لحكم مصر التى ساقها لهم القدر، غير أنه لابد من التسليم بحقيقة قاطعة أن جماعة الإخوان المسلمين قد خرجت نهائياً من التاريخ بعد فشلهم الذريع فى إدارة البلاد، وبعد الكراهية العميقة التى خلقوها لأنفسهم والتى جعلت الشعب يتظاهر كل يوم وشعاره "الشعب يريد إسقاط الإخوان"!
eyassin@ahram.org.eg
الجريدة الرسمية