رئيس التحرير
عصام كامل

فيها حاجة حلوة.. علماء الداخل


مصر ستظل دائما بخير مهما واجهت من صعاب، ومشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية، لسبب بسيط هو أن هناك الملايين من أبنائها يعشقون ترابها، رغم معاناتهم الشديدة، ويعملون من أجلها، وحينما تزور الحقول والمصانع ومواقع العمل وكذلك المعاهد البحثية والجامعات والمستشفيات تجدها مليئة بالمخلصين المجتهدين، العاملين في ظروف غاية في الصعوبة ولكنهم يصنعون المعجزات في حدود الإمكانيات المتاحة..


علماء مصر في الداخل لا يأخذون حظهم في الدعاية والإعلام، هم منسيون رغم أن الحياة في مصر لا تستقيم بدونهم، عكس ما تفعله الدولة مع من يطلقون على أنفسهم علماء الخارج، حيث يحظون ببروباجندا وزفة إعلامية كبيرة واستقبالات وحفاوة رسمية على أعلى مستوى..

علماء الخارج يتخيلون أن الشعب المصرى طيب ويصدق أي كلام، ولا يدركون أنه يعلم تمامًا أن بعضهم يتخذ من مصر سبوبة بعد أن قدموا كل ما لديهم وافنوا عمرهم في خدمة البلاد التي هاجروا إليها، ومازالوا يحملون جنسيتها هم وأبناؤهم ويتحدثون لغتها وأموالهم في بنوكها وصوتهم الانتخابى هناك وأيضا مقابرهم..

وهم لا يتذكرون مصر إلا في إجازتهم القصيرة للسمسرة وحصد المغانم والشهرة والاستمتاع بشواطئ شرم والغردقة، وللأسف الشديد المجلس الاستشارى لرئيس الجمهورية يتشكل من معظمهم، رغم أنهم لم ولن يقدموا لمصر شيئًا فقد تركوها في أصعب الظروف والأزمات، أما المصريون الذين لم يهاجروا أو الذين تعلموا في الخارج وعادوا وأيضًا البسطاء الذين سافروا إلى الدول العربية للبحث عن أرزاقهم وتحويل أموالهم إلى مصر، وكذلك العمال والفلاحون الذين واصلوا الليل بالنهار لإنتاج الغذاء وتشغيل المصانع، وكل من تلوثت قدماه بتراب هذا البلد وشبابه الذين حاربوا من أجله واستشهدوا أو أصيبوا في معاركه ضد الأعداء والإرهاب، وأيضًا الذين عانوا من الظلم والفساد والجهل والفقر والمرض ونار الأسعار وغلاء المعيشة وصبروا.

هؤلاء جميعًا هم شرفاء مصر، لأنهم حملوها على أكتافهم عاشوا لحظات انتصاراتها وانكساراتها ويعرفون قيمتها، فليس لديهم أوطان بديلة..

في هذا المكان ومن عدة شهور كتبت عن واحد ممن يطلقون على أنفسهم علماء مصر في الخارج وأشهرهم والذي عمل مع معظم رؤسائها (السادات ومبارك والسيسي) وتسألت ماذا قدم لمصر؟ بعد أن تعلم في مدارسها وجامعتها بالمجان ثم هاجر إلى أمريكا في منتصف القرن الماضى وتدرج هناك في أهم المناصب العلمية والأكاديمية وتولى منصبًا مهمًا في وكالة ناسا للفضاء، هل ساعد شباب الباحثين المصريين؟ أو تبنى أحدهم؟ هل أسس أقسامًا علمية في مراكز البحوث العلمية أو جامعة الإسكندرية التي تخرج منها؟ هل أسهم في بناء مدرسة أو حتى حضانة؟ (صحيح هناك مدرسة أطلق عليها اسمه في قريته طوخ الأقلام بمركز السنبلاوين محافظة الدقهلية ولكنها من أموال الدولة) وهل تبرع مثلا لصندوق تحيا مصر؟ أتمنى أن يكون فعل كل هذا أو بعضه، لأننى ومنذ أن فتحت عينى على الدنيا وأنا أسمعه يتحدث عن مشروعه رغم أن كثيرًا من العلماء أكدوا صعوبة تنفيذه بسبب التضاريس الصعبة وتكلفته العالية ومع ذلك ما زال يتحدث عن مشروعه الوهمي مرتين في العام خلال زيارته لمصر..

ورغم أن المقال أغضب البعض مني ولكنني مازالت عند رأيي أن معظم هؤلاء لم ولن يقدموا لمصر سوى الكلام، وأنه لن يبني هذا البلد ويحميها سوى أبنائها الذين يحملون فقط جنسيتها لأنهم لا يعرفون وطنا سواه..

نحن نضحك على علمائنا في الخارج وهم يضحكون علينا، فمشكلات مصر لن يحلها مؤتمر لمدة يوم أو اثنين في قاعة مكيفة لعلماء الخارج، أو حتى الداخل، ثم ينفض المولد نحن نحتاج إلى عمل مؤسسي مستمر ورؤية متكاملة يشارك فيها الجميع، ويؤسفني القول إنه يجب علينا الاستفادة من تجربة إسرائيل وكيف أسهم علماؤها في المهجر في نهضتها، التحية لعلماء مصر في الداخل، ولكل أبناء الشعب المصري الصابر والعاشق تراب بلده، واللهم احفظ مصر.
الجريدة الرسمية