رئيس التحرير
عصام كامل

الغضب المشروع للرئيس


ظل كثيرون يطالبون الرئيس بالغضب منذ انتخابه وقال أحدهم لقد أطلت الحلم وصبرت على من لا صبر لهم عندك فمددت لهم حبلا لا يمد وأبقيت لهم شعرة لا تستبقي لقد حق عليك الغضب، ورد عليه الرئيس قائلا ( أنا لو غضبت تبقى مشكلة كبيرة لأن الحاكم لا يمكن أن يغضب لأنه هو المسئول عن شعب وأمة وأنه لا يستطيع أن يثأر لنفسه أو الغضب لشخصه ولكنه يغضب للمصريين وإنه حريص على استخدام القوة في أضيق الحدود)..


غير أن الرئيس بدا غاضبا ومحتدا في الفترة الأخيرة بما يعكس حجم الضغوط اليومية لرجل تسلم قيادة البلد في حالة يرثى لها، وإن كان معه كل الحق في غضبه وهو يوجه رسائله للفاسدين الذين تصورا أنفسهم فوق القانون، أو في غضبه لحالة الكسل المزمنة في دولاب العمل الحكومي، أو عندما يعرض بعض المسئولين معلومات غير دقيقة مثلما فعل وزير النقل السابق عن طريق السويس الذي تأخر، أو لنقص المعلومات كما حدث مع وزير الإسكان في تكلفة توفير مياه الشرب النقية الذي يحصل عليه المواطن بــ٢٣ قرشا بينما تكلفت ١٦٠ قرشا، ثم كان أن انفعل على النائب محمد كلوب في لقاء الأسرة المصرية عندما حاول أن يعقب على كلام الرئيس ورد الرئيس ( أنا مادتش الإذن إن حد يتكلم وبتلوموا على أن الجلسات ما بتتكررش لأنها بتتحول إلى منابر للكلام)..

ومرة أخرى حاول طالب من شباب محافظة المنيا الحديث بعد انتهاء المدة المخصصة له، فقال الرئيس له ( لما أقول شكرًا يبقى خلاص أنا لا أقل مدة)، وقبل ذلك شرح الرئيس صبره في احتفالية يوم الشباب المصري بالأوبرا قائلا: ( إن لين الكلام وحسن الخلق ما هو إلا قمة البأس وأنا صحيح باتكلم برفق دائما لأن الشعب المصري قاسى كثيرًا وحقه علي أني أبقى رقيق معاه)، ولكن انفعال الرئيس على نائب دمياط الذي تجرأ وطلب وقف أو تأجيل ارتفاع أسعار الكهرباء والماء والبنزين مطالبا إياه بعدم الكلام إلا بعد إجراء الدراسات، إذ أن الرجل غير منوط به إجراء دراسات وأبحاث لأن تلك هي مهمة الحكومة في البحث عن موارد جديدة للدولة، أما نائب الشعب فمهمته التحدث باسم الشارع الذي انتخبه ونقل مطالبه خاصة أن تلك الزيادات هي أحد شروط صندوق النقد الدولي..

وإذا كان صحيحًا أن عمليات الإصلاح التي يقوم بها الرئيس قد تأخرت كثيرا، وإن كل الحكومات السابقة كانت تخشى منها إلا أن التدرج في الإصلاح للمشكلات المتراكمة هو فرض عين لضمان استمرار الإصلاح، إذ لا معنى لإنقاذ المريض من إجباره على تناول الدواء كله في جرعة واحدة، وإذا كنا في هذا البلد سنحاسب الجميع بمنطق ضرورة إجراء دراسات وبحوث قبل أي قرار، سيأتي المواطن والنائب في آخر الملف، وإلا لماذا لم تأخذ الحكومة قرارات ثم تعود وتتراجع عنها وتصدر قوانين وتعود لتعديلها أو إلغائها، مثل قانون الاستثمار الذي صدر قبل المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ ثم عادت الحكومة لإصدار قانون جديد بعد أقل من عامين، وهناك عشرات بل مئات الحالات لسياسات صدرت بدون أي دراسات أو بحوث ودفع المواطن ثمن هذا الارتباك..

أقول هذا من منطق أن الرئيس السيسي له محبين ومؤيدين وهو الذي قال لهم إن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه، لذا كان غريبًا أن يتسع صدر الرئيس للمواطن حمام الذي أطال في عرض مشكلة قريته بينما ضاق صدره بنائب دمياط، لذا جاء انفعاله على النائب خشنا وغير متوقع منه، وهو المؤدب عفيف اللسان الذي لا يروع أحدًا من محبيه، ورحم الله السلف الصالح الذي تحمل النقد وأشاد به قائلا لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها..

وهذا عمر بن الخطاب يرد على المرأة التي جادلته في صدقات النساء بقولها ياعمر يعطينا الله وترحمنا أليس الله سبحانه وتعالى يقول ( وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا)، قال عمر أصابت امرأة وأخطأ عمر، ثم قال كل الناس أفقه منك ياعمر، وهذا أبو بكر الصديق يقول في خطبة الحكم لقد وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فقوموني..

وقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما كان الفلاح المصري الفصيح التي ترجع أحداثها إلى العهد الإهناسي في نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد الذي كانت تسود فيه الفوضى، ولكن الفلاح البسيط كان باستطاعته أن يرسل شكواه ليس فقط للمسئولين في الحكومة بل أن يرسلها الحاكم نفسه بدون وجود حواجز تمنعه، واهتم الحاكم بالشكوى وأصدر أوامره بأن يواصل ما بدأه من تعبير عن الشكوى بإعجابه بأسلوب الرجل وشجاعته في إبداء الرأي، ولو كان قد مارس أسلوب القمع مع الفلاح لما كانت هذه الشكوى قد وصلت إلينا باعتبارها أثرا بليغا وصالحا للتطبيق حتى اليوم، بوصفها وثيقة تتحدث عن العدل وسعة صدر الحاكم ووعيه الشديد الذي تجلى في رغبته من أن يستفيد من نصائح الفلاح ولغته الرشيقة في أربعة مخطوطات في أربعمائة وثلاثين سطرا ( لا تنظر للغد قبل مجيئه فلا أحد يعرف ما سيأتي به من خير أو شر عليك أن تفعل الخير ولا تنتظر مقابلا)..

ذلك هو تراث المصري القديم الذي نحتاج أن نرجع إليه كثيرا، ولا نلتفت إلى تهافت المنافقين الذين يبررون دوما ولا يستطيعون قول الحق، لأن حرفتهم صناعة الفرعون.. سيدي الرئيس اغضب للحق ونحن معك ولكن هذه المرة لست معك!
الجريدة الرسمية