رئيس التحرير
عصام كامل

مؤتمر للمعارضة الوطنية


مشكلة الحياة السياسية في هذا البلد أننا أصبحنا كـ"فرق وجماعات"، وكل جماعة ترى نفسها الفرقة الناجية، وحتى في المرات القليلة التي بدا أن هناك ائتلافا اتضح أنها كمتلازمة مذبحة القلعة، بمعنى استخدام الآخر للوصول للسلطة ثم التخلص منه ومن أنصاره، علما بأن الجميع كان ضحية والجميع دفع الثمن والكل أخطأ من كانوا قبل يناير وكل من جاء بعدها، فمعهم متلازمة تسلمت البلد خرابة، قالها كل من حكم مصر منذ يوليو١٩٥٢، وإذا كان الاعتراف بالخطأ حالة إنسانية أكثر منها سياسية فقد كان مؤتمر الإسماعيلية الأخير كاشفا عن بعض من المتلازمات المصرية، غير أن عرض المحاكاة للإصلاحات الاقتصادية التي اتبعتها جماعة مبارك بكل حيادية والتي رفعت معدلات النمو من٣،٢ الي٧،٢٪‏ وكيفية امتصاص الصدامات الداخلية والخارجية بالتخطيط، وكيف قفزت على الأزمة الاقتصادية العالمية رغم تضرر كل الدول الكبرى دليل على الاعتراف بإنجاز الآخر، ورغم ذلك هناك كتلة كبيرة من أنصار الرئيس الأسبق مبارك تتخذ موقفا معاديا من السيسي وبها بعض الشطط يفوق تطرف الإخوان..


وإذا شئنا الدقة في تحديد التوتر الراهن للمشهد السياسي بدون أي تجميل أو تبرير، فهناك بالفعل حالة من التوتر بين السلطة والقضاء والأزهر والأحزاب والمجتمع المدني والإعلام، وبدا وكأن السلطة تريد حشر الجميع في بيت الطاعة العمياء بتأسيس ديكتاتورية ناعمة، وعلينا الاعتراف أنه كان لدينا هامش كبير للمعارضة قبل ٢٥ يناير وحزب حاكم وحاكم لم يتبق منها الآن سوى الحاكم..

الأمر المؤكد أن هناك شبه اتفاق مع السلطة في إن أزمات مصر قديمة وصعبة، وكان التأخير في مواجهتها مقصودا بهدف ترحيلها للأجيال المقبلة، وأن النظام الحالي يحمل من الأعباء ما يفوق طاقته بل إنه واجه بشجاعة ما عجز عنه أصحاب الشعارات الرنانة، غير أن الخلاف يمكن تلخيصه في طريقة معالجة تلك الأزمات المستعصية، وفِي ترتيب الأولويات، ثم في طريقة الإخراج الفجة الخشنة بدون تمهيد أو تأهيل الرأي العام..

وأخيرا في الإيحاء برفض الديمقراطية، وخنق وتشويه أي رأي مخالف، ولو كان من أرضية وطنية أو حتى من بين ائتلاف ٣٠ يونيو بدون أي بادرة للتسامح أو التصالح مع بعض الذين رفعوا صوتهم تنديدا أو احتجاجا على بعض القرارات، وقد يسأل أحدهم وهل هناك معارضة في زمن الحرب؟ وقد يخرج آخر ليقرر أن المعارضة خيانة في زمن الحرب..

وأقول إن المعارضة ضرورة في زمن الحرب، بل إنها العاصم للأمم والقائد، وإنها الكابح لمن بيدهم الأمر حتى يصبح الجميع شركاء في النصر أو الهزيمة، وما اختفت المعارضة في أي زمن إلا وكان الانهيار والاستبداد مصير الأمم..

تلك دروس التاريخ وحكايات الأمم التي تجاوزت هزائمها كفرنسا واليابان وألمانيا، وبشكل عام لن نتعلم الاتفاق قبل أن نتعلم كيف نختلف.. وكان الرئيس السيسي شديد الوضوح في مؤتمر الإسماعيلية، وهو يؤكد احترامه للمعارضة الوطنية، وأنها جزء من الحياة السياسية الطبيعية، ولو كانت في سوريا قبل الأحداث معارضة وطنية شرعية لما وجدنا بعض الدول تشتري العملاء وتطلق عليهم مرة المعارضة المسلحة ومرة باسم جيش سوريا الحر.. وغالبا ما تكتسب المعارضة العميلة مساحات من النشاط بفضل أخطاء السلطات الحاكمة..

والأمر هكذا، فإن مصر في أمس الحاجة لتحديد نظامها السياسي على الأقل بما يتوافق مع الدستور الجديد، الذي وزع سلطات الرئيس مع البرلمان والوزارة، ولدي رهان كبير على أن الرئيس السيسي هو القادر الآن على تحديث النظام السياسي لمصر، وظني أنه لو فعلها ستكون أهم إنجازاته على الإطلاق، ولتكن البداية بمؤتمر موسع للمعارضة الوطنية المدنية يشمل كل الفرقاء ويكون تحت رعايته شخصيا..

لأنه رئيس المؤيد والمعارض، حتى لو كان مغلقا وليس على الهواء، بحيث تكون هناك مساحة أكبر لحوار صريح وشفاف يستوعب الأفكار الأخرى، ويعمل على دمجها في العملية السياسية، بحيث تختفى تلك المتلازمة المصرية بأن المعارضة تظل من المهد إلى اللحد وكما في كل المراحل الانتقالية للنظم السياسية العالمية، فإن الملاذ لحالات القلق المشروعة لبعض الفئات التي تشعر بالتهميش السياسي هو في التحديد والتحديث من الداخل، وأقصد الجماعة الوطنية المصرية التي شكلت ائتلافا واسعًا في ٣٠ يونيو بدون أن يجتهد أحد في تأسيس كيان شرعي له وقد حان الوقت الآن.
الجريدة الرسمية