رئيس التحرير
عصام كامل

حفيد الشيخ محمد رفعت: السعودية لم تنجب قارئا يمكن مقارنته بالقراء المصريين القدامى

فيتو

  • من يقول إن الشيخ رفعت كان يتغنى بالقرآن لا يفقه شيئًا
  • أحب الاستماع إلى بيتهوفن وباخ ودرامز وموتزارت وفاجنر
  • قيثارة السماء كان خائفًا من تسجيل القرآن بالإذاعة لهذه الأسباب
  • الشيخ رفعت كان رافضا تمامًا لفكرة السفر خارج مصر وإحياء الحفلات
  • جدى رفض عرض أمير هندي «مهراجا» 100 جنيه ذهب في اليوم مقابل تلاوة القرآن
  • ادعو من خلال "فيتو" لاكتتاب أو مبادرة لإصلاح "35" ساعة بصوت الشيخ رفعت
  • الشيخ جمعته علاقة صداقة بعبد الوهاب وأم كلثوم
  • عبد الوهاب كان ينزل من مقعده ويجلس أرضا عندما يسمع صوت جدى

أدارت الحوار: إيمان مأمون
أعده للنشر: محمود محمدى
عدسة: ريمون وجيه

ارتبط صوته بآذان المغرب في شهر رمضان، فتحرص إذاعة القرآن الكريم وأغلب القنوات الفضائية أن يأتى الآذان بصوت القارئ الشيخ محمد رفعت الذي لقب "بسيد المؤذنين"، فعندما يأتى الآذان بصوته؛ تهتز لتهليله وتكبيره النفوس، وتختلج المشاعر إجلالًا واحترامًا لعظمة الأذان، لقب أيضا بـ"قيثارة السماء" لأنه استطاع بصوته المملوء بالعذوبة والخشوع أن يغزو القلوب، فصوته ذو سحر خاص يجمع بين القوة والجمال والصوت العذب. 
الحاج إبراهيم رفعت، حفيد شيخ المقرئين "محمد رفعت"، حل ضيفا على "صالون فيتو"، في ندوة عن حياة الشيخ وكيف فقد بصره في طفولته، وأنار الله بصيرته بحفظ كتاب الله ليلمع اسمه بين مقرئى عصره.. وإلى أهم ما جاء بالندو
ة.

*هل بالفعل فقد الشيخ رفعت بصره في طفولته المبكرة؟
كان جدي طفلا جميل الشكل والمظهر، له عيون رائعة، وظل مبصرًا لمدة سنتين فقط من عمره ، لكنه أصيب وهو في الثانية من عمره بمرض كف فيه بصره، ويقال إن السبب في ذلك حسد امرأة له حين رأته في الشارع مع والدته، وقالت «شكله ابن ملوك.. عيناه تقول ذلك»، وما لبث أن وصل للبيت وبدأ يشكو من ألم في عينيه، عرفنا بعد ذلك أنه رمد، وكان علاج الرمد في ذلك الوقت عند البسطاء بالوشم، وبالطبع تلك الطريقة غير صحيحة تسببت في مضاعات للمرض، وباستخدام الوشم فقد جدي بصره وهو في الثانية من عمره.

*وماذا كان رد فعل الأسرة ووالد الشيخ رفعت بعد صدمة فقدان ابنه الطفل لبصره؟
«محمود بك» مأمور قسم الخليفة في تلك الفترة، والد الشيخ محمد رفعت، احتار في أمر ابنه، بأي مدرسة يلحقه، أو كيف يرسم له مستقبله، وبعد حيرة طويلة، استقر على أن يسخر ابنه لخدمة القرآن الكريم، ويلحقه بكتَاب مسجد فاضل باشا بحى«المغربلين» حيث سكن الأسرة فبدأ الطفل ذو العامين، في قراءة ودراسة وحفظ القرآن، فأتم حفظ القرآن وتجويده قبل أن يكمل تسع سنوات، وخلال مراحل حفظه للقرآن، انتبه شيخه لجودة صوته وترتيله للقرآن، ووصلت درجة الثقة فيه، إلى أن أعطاه بعض الليالي ليحييها بصوته العذب في هذه السن الصغيرة، وحدث ولا حرج عن انبهار المستمعين بصوته.

*كيف ذاع صيت الشيخ رفعت بعد ذلك؟
بعد أن أكمل الفتى الخامسة عشر بقليل، جاءت ثاني صدمات حياته، حيث إن الأولى كانت فقد بصره، والثانية كانت فقدان والده، فأصبح الشاب القارئ يتيمًا عائلًا ومسئولا عن منزل كامل يعيش فيه مع أمه وأخته وخالته، واثنين من الصبية أشقاء له أصغر منه لم يجد أمامه سوى كتاب الله ليعتصم به، ويتكىء عليه ليخرج من الأزمة، فبدأ يقرأ القرآن في المناسبات المختلفة مقابل المال، حتى تم تعيينه قارئًا في مسجد فاضل باشا الذي عرف بعد ذلك مسجد الشيخ محمد رفعت.

*الشيخ رفعت أول من افتتح الإذاعة المصرية بصوته في 31 مايو عام 1934 احك لنا كيف تم اختياره وهل أثار ذلك غيرة القراء في عصره؟
ظل يقرأ ويرتل آيات الذكر الحكيم، في هذا المسجد، إلى أن وافته المنية، ولكن حدث أمر آخر خلال تلك الفترة غير حياة الشيخ رفعت بشكل كبير، وهو الإعلان عن افتتاح إذاعة القرآن الكريم، وطلب منه المسئولون وقتها أن يفتتح المحطة الإذاعية بصوته العذب، وفي أول الأمر كان خائفًا مترددًا من تسجيل القرآن بالإذاعة، ورفض العرض، وكان له سبب وجيه للرفض، حيث قال: «أنا ممكن اقرأ القرآن في الإذاعة، والراديو يكون موجودا في خمارة، يبقى إزاي الناس هتسمع القرآن، وهما قاعدين بيسكروا ويشربوا الخمر.. أكيد الموضوع حرام».
وظل الشيخ رفعت في حيرته عدة أيام، خلالها سأل العديد من المشايخ عن رأيهم في الأمر، إلى أن وصل إلى مفتي الديار المصرية وقتها، وكان رأيه مهما بالنسبة للقارئ الشاب وقتها، حيث قال له: «عسى الله أن يهدي بك أحدا، يعني ممكن وأنت بتقرأ ويسمعك وهو في الخمارة وربنا يهديه»، ومن هنا وافق الشيخ رفعت على افتتاح إذاعة القرآن الكريم، وكانت أول آية يقرأها من سورة الفتح «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا»، وكان ذلك في صباح غرة مايو عام 1934.

*الشيخ محمد رفعت من أول من أقاموا مدرسة للتجويد في مصر فكما قيل القرآن نزل بالحجاز وقرأ بمصر فكيف أسس الشيخ مدرسته؟
«القرآن نزل في الجزيرة وقُرِأ في مصر»، بمعنى أن المملكة العربية السعودية أو غيرها من الدول العربية، لم تنجب قارئا واحد يمكن أن نقارنه بالقراء المصريين القدامى، وعلى سبيل المثال مصر أنجبت محمد رفعت، وعبد الباسط عبد الصمد، ومصطفى إسماعيل، وهؤلاء القراء وغيرهم الكثيرون لن تجد لهم مثيلًا، ومن يقول إن الشيخ رفعت كان يتغنى بالقرآن لا يفقه شيئًا، وأسلوب الشيخ رفعت يعتمد على الخروج من مقام لمقام، ومن طريقة في القراءة إلى أخرى، وجيل القراء القديم لن يعوض، وفي رأيي إن الشيخ رفعت أحسنهم، إنما الكل لا يعوض، والشيوخ السعوديون يرتلون القرآن بسرعة، وممكن ألا يفهم الناس معاني الكلام.

*قيل إنه درس الموسيقى الغربية أيضا لبيتهوفن وغيره هل هذا صحيح؟
الشيخ رفعت كان محبا للموسيقي، وللاستماع لها، لكن كان له جانب معين يفضله، فأحب الاستماع إلى بيتهوفن، وباخ، ودرامز، وموتزارت، وفاجنر، وكان يحتفظ بالعديد من الأوبريتات والسيمفونيات العالمية في مكتبته، وكان يستمتع بالموسيقى ولا يستمع إليها، فلم يدرس المقامات الموسيقية، ولكن كان ملمًا بها.

*هل جمعت الشيخ علاقة صداقة بمشاهير مطربي عصره كأم كلثوم وعبد الوهاب؟
أم كلثوم وعبد الوهاب، وغيرهما من أشهر المطربين العرب وقتها، كانوا يحرصون على زيارة الشيخ رفعت في البيت؛ ليستمعوا إلى صوته الجميل في قراءة القرآن، وكان للمطرب محمد عبد الوهاب عادة غريبة يفعلها في كل مرة يستمع للشيخ رفعت، فكان يجلس على الكرسي وينتظر الشيخ يبدأ القراءة، وبعد أن يقول الشيخ «بسم الله الرحمن الرحيم»، يترك عبد الوهاب مقعده ويجلس على الأرض احترامًا وتعظيما للقرآن الكريم وإجلالا لصوت الشيخ، وأما كوكب الشرق أم كلثوم، فكانت تحفظ كثيرًا من آيات الله، وكانت حريصة على زيارة الشيخ رفعت والاستماع له، لأنها تتعلم أحكام القراءة ومواضع التفخيم والترقيق في الكلام، لتستخدم ذلك في أغانيها، ونستطيع القول إن ذلك هو سر قوة أم كلثوم، وقدرتها على غناء أي قصيدة مهما كانت كلماتها صعبة.

*ما صحة وجود خلاف بين الشيخ رفعت والشيخ طه الفشنى؟
من أقرب الأصدقاء للشيخ رفعت، كان الشيخ طه الفشني رحمه الله، والبعض قال إن هناك مشكلات كثيرة وقعت بينهما، بسبب أن ابن الشيخ رفعت تقدم لخطبة بنت الشيخ الفشني، وكل هذا لم يحدث من الأساس، لكن الشيخ رفعت كان جميل الخلق، وكذلك كان صاحبه الشيخ الفشني، فكانت أخلاقهم أخلاق القرآن، وما انتشر عن وجود خلاف بين الشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ رفعت أيضًا غير صحيح؛ لأن الشيخ مصطفى بدأ القراءة بعدما توقف جدي عنها، وبالتالي لم يكن هناك مجال للمنافسة كما زعم البعض.

*هل سافر الشيخ تلبية لدعوة الملوك والأمراء بالدول العربية كما حدث مع زملائه المشايخ في ذلك الوقت؟
الشيخ رفعت كان رافضا تمامًا لفكرة السفر خارج مصر، وإحياء الحفلات والمناسبات خارج جمهورية مصر العربية، حتى أن أمير هندي «مهراجا» جاء وعرض عليه 100 جنيه ذهب في اليوم ولكنه رفض، وهذا المبلغ وقتها لم يكن له قيمة، لأن الجنيه الذهب كان بـ 99 قرشا فقط، وعلى الرغم من أن مرتب الشيخ رفعت في إذاعة القرآن الكريم كان 3 جنيهات فقط شهريًا، إلا أنه رفض عروض السفر للخارج، حتى أن الموسيقار محمد عبد الوهاب حاول معه مرارًا وتكرارًا في مسألة السفر، ولكنه رفض الموضوع برمته.

*كيف كانت وفاة الشيخ رفعت واى مرض هاجمه قبل الوفاة ؟
أصيب الشيخ في أواخر أيامه بـ"سرطان الحنجرة " وكان يعرف في ذلك الوقت "بالزغطة" وكانت تهاجمه أثناء التلاوة في الإذاعة، وظلت فترة طويلة حتى أنه بكى وامتنع عن الذهاب للإذاعة منذ ذلك اليوم، وكان زاهدًا في الحياة، وكان يبكي كثيرًا بعد مرضه، ليس لمرضه أو لعدم حصوله على المال من القراءة، ولكن كان يبكي لتوقفه عن قراءة القرآن.

*وهل عرض عليه الملك أو أحد الأغنياء علاجه؟
بعد ما علم الناس بمرضه دشن بعض المحبين له ومنهم الكاتب الصحفى أحمد الصاوي "اكتتاب" عاما ليتم جمع مبلغ مالي كبير لعلاجه، وبعد جمع مبلغ خيالي، رفض الشيخ الفكرة، وقال لهم: «من أمرضني قادر على شفائي.. ردوا للناس فلوسهم»، ولأن المبلغ كان كبيرا جدًا، وعدد المتبرعين كثيرا، فإن إعادة الأموال إلى أصحابها كانت صعبة، وتمت عملية إعادة الأموال لمن يعرفونهم، ومن تبرع دون أن يخبر الناس باسمه، تصدقوا بالمال للفقراء، وظل يعانى من سرطان الحنجرة حتى توفاه الله في نفس يوم مولده التاسع من مايو ولكن عام 1942.
*يقال إن هناك تسجيلات للشيخ لم تذاع، ولا يوجد تسجيل بصوته للقرآن الكريم كاملا هل هذا صحيح؟
وفقني الله في جمع ثروة للشيخ، حيث إنني أمتلك الآن قرابة الـ35 ساعة من التسجيلات، لم يسمعها أحد حتى الآن، ولكن تحتاج بعض المعالجات والمونتاج وما إلى ذلك، وعرضت على الكثيرين مساعدتي في إخراجها للنور لكنها تحتاج إلى مبالغ خيالية، وعرضت على التليفزيون المصري معالجة هذا التراث لعرضه، لكنهم رفضوا الفكرة، وكانت المذيعة إيناس جوهر هي المسئولة وقتها، وذهبت لمكتبها مرتين، في المرة الأولى قابلتني ورفضت الفكرة، وفي المرة الثانية لم توافق على مقابلتي من الأساس فلجأت لأحد أصدقائي مهندس صوتيات، اسمه عبد الله عبد الحليم، وساعدني في جمع الـ35 ساعة، وكان الموضوع مرهقا جدًا، وتمكنا من علاج بعض الأجزاء، بعد عمل ليل نهار طوال سنة ونصف، ومسألة المعالجة الصوتية تحتاج لشروط معينة، حيث نسمع الجزء الذي يقرأه الشيخ، وإذا لاحظنا وجود كلمة ناقصة في موضع أي آية نبدأ العمل على وضعها من تسجيل آخر، والصعوبة تأتي في البحث عن نفس الكلمة بنفس الإيقاع والتشكيل، فتسجيل القراءة قديمًا كان يدويًا، وكان على أسطوانات، فيقوم أحد الأشخاص بتدوير «المنفلة» للتسجيل، ومن الوارد أن يترك الشخص المنفلة للحظة، وفي تلك اللحظة يكون الشيخ قد قرأ جملة أو كلمة واحدة حتى، ومن هنا تبدأ المشكلة.

*ولماذا لا يتم الدعوة لاكتتاب أو إطلاق مبادرة باسم محبى الشيخ رفعت لمعالجة ذلك التراث القرآنى النادر؟
أدعو من خلال جريدتكم "فيتو" ومن خلال قرائها ومحبي الشيخ رفعت، إلى التبرع لصالح معالجة تلك الاسطوانات التي تمثل "كنزا" وثروة حقيقية"، فلو كان الشيخ رفعت ولد في العصر الحالي، أو ظهر في العصر الحالي بكل ما نملكه من تكنولوجيا صوتية كان ذلك سيفرق كثيرا، لأن كل الشيوخ الآن يستخدمون المحسنات الصوتية في تسجيلاتهم، ومع ذلك غير قادرين على الوصول لدرجة صوته، وأدعو رجال الأعمال وملاك القنوات الخاصة ممن لديهم استديوهات حديثة مجهزة للتبرع، على أن يكون ذلك تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية