رئيس التحرير
عصام كامل

متى ستتغير منظومة اقتصاديات الإعلام في مصر؟


قرأت تصريحًا الشهر الماضي للكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يقول فيه: "إنه سيتم تحويل الإصدارات الصحفية التابعة للمؤسسات القومية إلى إصدار إلكتروني في حالة استمرار خسائرها". وكيل لجنة الإعلام بمجلس النواب، نشوى الديب، رحبت أمس بما أعلنه الأستاذ مكرم محمد أحمد، وقالت إنه لم يتم البت في الاقتراح وحيث "إن الأمر يختلف من إصدار لآخر، والأمر قيد الدراسة."


وقبل الخوض في وجاهة الاقتراح والنتائج المترتبة عليه، دعوني ألخص باختصار حجم خسائر الصحافة المطبوعة من واقع ملف قامت صحيفة الأهرام الاقتصادي بنشره في يناير الماضي.

فحجم ديون الصحف القومية وصل 12 مليار جنيه، هذا إذا لم تكن الديون قد تخطت بالفعل هذا الرقم، وخسائر مؤسسة صحفية واحدة بعد شهر من تعويم الجنيه وصل 250 مليون جنيه، أسعار خامات الطباعة وتكاليف التوزيع ارتفعت 120%، بينما ارتفعت أسعار طباعة الصحف إلى 80%، بينما انخفض دخل الصحف من الإعلانات بنسبة 50%. الملف الخاص بخسائر صناعة الصحافة وبخاصة القومية قدر عدد العاملين في هذه الصناعة بـ 80 ألف صحفي وعامل.

اقتراح الأستاذ مكرم محمد أحمد يبدو منطقيًا وبسيطًا، ولكن تنفيذه سيؤدي لكارثة ما لم يتم ذلك في إطار تغيير منظومة اقتصاديات الإعلام في مصر بشكل كامل. لماذا التشاؤم بوقوع كارثة؟

لأن الحل المقترح يبدو منطقياـ لكنه لا يتناسب وحجم المشكلة. الأستاذ مكرم محمد أحمد قال إنه سيتم تحويل الإصدارات "الخاسرة" إلى إصدرات "إلكترونية". فهل سيحول الأستاذ مكرم محمد أحمد معظم الإصدارات إن لم يكن كلها إلى إلكترونية؟ أو دعوني أطرح السؤال بشكل آخر، ما هي الإصدرات الورقية التي تحقق أرباحاُ في مصر؟ معلوماتي البسيطة أن كل الإصدارات الورقية تخسر بنسب متفاوتة.

الأستاذ أحمد النجار رئيس مجلس إدارة صحيفة الأهرام الذي استقال من منصبه الشهر الماضي كان قد طرح حلا بأن ترفع الصحف من قيمة إعلاناتها الإلكترونية لأنها متدنية للغاية. لكن حتى هذا الحل لن ينقذ صناعة الصحافة المطبوعة، كما أن القارئ البسيط لن يدفع تكلفة قراءة الصحف على الإنترنت وهولا يستطيع شراءها مطبوعة، في حال ما فكر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في جعل الصحف الإلكترونية مدفوعة.

تحويل الإصدارات الورقية الخاسرة إلى إلكترونية، سيقلل من تكلفة الطباعة والتوزيع ومستلزمات الطباعة ولكن خسائر الصحف ستستمر طالما هناك تكاليف وأجور دون وجود أرباح.

هناك رزمة من الحلول التي يجب أن يتم التعاطي معها شاملة ومتكاملة:

أولا: يجب إغلاق الإصدرات الورقية الخاسرة، أو دمجها بحيث تصدر في شكل جديد وفي عدد قليل من الصفحات، على أن يكون المعيار هو وجود جمهور سيقرأ الإصدار الجديد، وليس فقط بهدف تغيير شكل الإصدار. فهناك إصدارات لم يعد لها جمهور كاف– هذا إن وٌجد لها جمهور من الأساس– ولن تكسب جمهورا جديدا إذا تم تغيير شكلها فقط.

ثانيًا: وهو الأهم أن تستفيد الصحف القومية من تجربة صحيفة Metro التي تصدر في الكثير من الدول الأوروبية والكندية. هذه الصحيفة تصدر في عدد قليل من الصفحات، ويتم توزيعها مجانًا. هذا الإجراء سمح لهذه الصحف بوجود نسبة كبيرة من الإعلانات، وكيف لا والمعلن يعرف أن القارئ سيتعرض لإعلانه بالتأكيد.

ثالثًا: أن تتحول جميع قنوات التليفزيون في مصر إلى نظام الكابل، بحيث تتحول قنوات التليفزيون من مجانية إلى مدفوعة. سيبدو هذا الإجراء مخيفا في البداية، إذ إن البعض سيراهن على أن المشاهد لن يدفع للحصول على قنوات مجانية على الأقمار الصناعية.

هناك حلان لمواجهة هذه المشكلة، الأول: أن تندمج القنوات بشكل يمكن المشاهد من الحصول على مجموعة كبيرة من القنوات بتكلفة بسيطة. والثاني، أن التكلفة البسيطة يمكن أن يتحملها المواطن بشكل غير مباشر، قد يبدو السؤال هنا كيف؟ الإجابة ببساطة عن طريق رعاة ومستثمرين، فلو تصورنا أن كل شبكة تليفون محمول رفعت من سعر دقيقة مكالمة التليفون المحمول بشكل بسيط، يمكن لشبكة لتليفون المحمول أن تدفع فاتورة القنوات التليفزيونية للمشاهد. هذا سيحقق عائدا أكبر لشبكة التليفون المحمول، وهو ما يتم حاليا في أنحاء كثيرة من الأرض.

ففي كندا تدفع فاتورة واحدة للتليفون المحمول، والتليفزيون والإنترنت عن طريق شبكة للتليفون المحمول. وحيثما تتغير صناعة اقتصاديات الإعلام في مصر كما تغيرت في دول العالم من عقود، يمكن للصحافة المطبوعة أن تتنفس برئة القنوات التليفزيونية المدفوعة، وكلما انتشرت الصحف مجانية التي تقدم صحافة الخدمات وصناعة التفسير وليس بالضرورة صناعة الخبر فقط، ستتظل تتنفس بل وتحقق مكاسب إعلانية.

أعرف أن الدول الغربية سبقتنا، حتى أصبح مشاهدة التليفزيون على الإنترنت أقل تكلفة من الاشتراك في التليفزيون الكابلي، لكن دعونا نتفق أنه مازال في مصر جمهور كبير من مشاهدي التليفزيون، هذا الجمهور لن يتحول إلى الإنترنت لأسباب مختلفة منها اقتصادية ومنها ما هو مرتبط بجغرافية المكان والبنية التحتية لآلاف القرى والمدن في مصر.
الجريدة الرسمية