رئيس التحرير
عصام كامل

فاروق عبد القادر يكتب: جاهين مغني سنوات الانتصار

صلاح جاهين
صلاح جاهين
18 حجم الخط

في مجلة الهلال عام 1986 كتب فاروق عبد القادر مقالا بعد رحيل صلاح جاهين في "21 أبريل 1986" قال فيه: إن رحيل صلاح جاهين مس نبضا حيا في قلب كل مصري، ورحيله ليس حدثا عابرا لفنان عاش وكتب ورسم وصنع أفلاما ثم مات.


أن غياب صلاح جاهين هو غياب مرحلة كاملة.. حين كان القلب الأخضر والآمال ممتدة إلى أفق فسيح حيث كان القائد على رأس شعبه يخوض المعارك ويعود مكللا بالانتصار.

وحين خرجت الجماهير تتصدى للعدوان وتغني "حنحارب" و"والله زمان ياسلاحي" وقفت سواعد المصريين والسوفيت تبني السد العالي.

ومهما تعددت وجوه صلاح جاهين يبقى وجهه الحقيقي هو الممثل المؤدي دائم الولع بالأقنعة ولعب الأدوار، والذي حفظ له مكانه في قلب تاريخ مصر الحديث.

وبعد رحيله تفاوتت المواقف فظهر من يصفي حساباته القديمة معه، وهناك من أسقط عليه أخطاؤه، وهناك من يرثي نفسه حين يرثيه، وما أسرع ما لبثت كلمات الباطل أثواب الحق.

لم يكن ازدهار شعر العامية المصرية ــ كما أسماه صلاح جاهين غير إحدى ثمار تلك المرحلة، فتزامن ظهور مجموعته الأولى "كلمة سلام" عام 1955 مع موجة جديدة في القصة والشعر والرواية والمسرح والغناء، إلى جانب لون من الاهتمام الرسمي وغير الرسمي بفنون الشعب وآدابه.

مجموعتان تاليتان صدرتا عنه (عن القمر والطين ــــ 1961) و(قصاقيص ورق ـــ 1966) وحين كان صح يزداد تألقا وصعودا كان أعز رفاقه في الفن والحياة بين ساكني الصفيح في المعتقلات والمقاهي وإليهم يتوجه صلاح بالخطاب:

ياساكنين الصفيح.. استبشروا وافرحوا.. أنا مانيش المسيح علشان أقولكم عليه، لكني بحلف بكم، واحلف لكم وبأقول الدنيا كذب في كذب وانتوا بصحيح.

وتعتبر الرباعيات عندي أصفى النماذج التي قدمها تعبيرا عن فكره وفنه معا ومن أجملها ما يفصح فيها عن خوفه:

سهير الليالي مالقيت وطفت.. وفي ليلة راجع في الظلام قمت شفت الخوف كإنه كلب سد الطريق.. وكنت عاوز أقتله بس خفت.. عجبي.

أنه يعترف بخوفه..لكنه خوف مركب، خوف من الخوف ذاته، وفي نهاية الرحلة نردد الكلمات الأخيرة في الصفحة الأخيرة من الديوان تقول: آدي المصير.. وآدي القدر.. نودع الماضي وحلمه الكبير، نودع الأفراح.. نودع الأشباح، راح اللي راح.. ماعدش فاضل كتير.

وهكذا ودع صلاح جاهين كل شيء، وأدار وجهه للجدار ومات.
الجريدة الرسمية